تعريف الإجماع وتحليله
تعريفــــه:
الإجماع في اللغة الاتفاق، يقال: أجمعوا على الأمر اتفقوا عليه (المصباح المنير مادة جمع، والتلويح على التوضيح 2/41.)
وهو في اصطلاح الأصوليين: (اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر على حكم شرعي).
تحليل التعريــف:
اتفـاق: معناه الاشتراك في الاعتقاد أو القول أو الفعل، لأن ذلك كله من الإجماع، فلا يكون الإجماع خاصا بالقول فقط.
المجتهديـن: فيه إخراج من لم يبلغ درجة الاجتهاد من العلماء، أو عوام الناس، فإنه لا عبرة بإجماعهم، وقد عرف باللام وهي للاستغراق هنا احترازا عن اتفاق بعض مجتهدي عصر من العصور، فإنه ليس إجماعا عند الجمهور كما سيأتي، خلافا لبعض العلماء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيه احتراز عن اتفاق مجتهدي الشرائع الأخرى السابقة. فإنه ليس إجماعا عندنا (أن الإجماع من خواص هذه الأمة كما سيأتي تكريما لها ورفعا لشأنها.
في عصــر: معناه في زمان ما، قل العدد أو كثر، تنكيره احترازا عن سبق الذهن إلى أن الإجماع هو إجماع كل المجتهدين في كل العصور إلى آخر الزمان، لأن الإجماع يجب فيه ذلك، بل إجماع المجتهدين في عصر واحد يكفي.
على حكم شرعي: هذا قيد يخرج به ما ليس حكما، وما كان حكما غير شرعي، فإن الإجماع في ذلك ليس حجة عند الجمهور، وقد أطلق بعض العلماء التعريف ولم يذكر هذا القيد ومنهم ابن الحاجب حيث قال: (على أمر) ليشمل الشرعي وغيره، فيدخل في ذلك وجوب اتباع آراء المجتهدين في أمر الحروب ونحوها مما لا يدخل في نطاق الحكم الشرعي، ولكن يجاب عن هذا الإطلاق بأن من ترك اتباع هذا الإجماع الأخير إن كان يأثم في تركه، فهو إجماع على حكم شرعي يدخل في نطاق الإجماع بهذا القيد، وإن كان لا يأثم في ترك هذا الإجماع فهذا معناه أن ذلك ليس من الإجماع الملزم، فلا مانع أن يكون من الواجب إخراجه من التعريف.
__________________
تعريف الإجماع
الكاتب: أ . / أيمن بدوي السكندري
الإجماع نوع من أنواع الاجتهاد لأن الاجتهاد׃ ¬إما فردى وهو القياس أو جماعي وهو الإجماع ــ فالاجتهاد الفردي ׃ كل اجتهاد لم يحصل اتفاق المجتهدين في على رأى المسالة ــ والاجتهاد الجماعي ׃ كل اجتهاد اتفق المجتهدون على رأى في المسالة
تعريف الإجماع ׃
هو في ا للغة يطلق علي معنيين:
أحدهما: العزم والتصميم على الأمر,يقال : أجمع فلان علي الأمر، أي عزم عليه . ومنه قوله تعالي (فاجمعوا أمركم وشركائكم ) .
وقوله- صلى الله عليه وسلم ـ " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " . "
و الثاني : الاتفاق . و قولهم :اجمع القوم على كذا :إذا اتفقوا عليه.
والفرق بين المعنيين أن الإجماع بالمعنى الأول يتصور من واحد وتعدد وبالمعنى الثاني لا يتصور من الواحد بمفرده .
تعريف الإجماع عند الأصوليين :
اتفاق جميع المجتهدين من امة محمد _ صلى الله عليه وسلم – في عصر من العصور ,على حكم شرعي اجتهادي بعد وفاة الرسول _صلى الله عليه وسلم _
شرح التعريف :
المراد بالتعريف: الاشتراك في الاعتقاد أو القول أو الفعل .
والمقصود بالمجتهدين : من بلغوا درجة الاجتهاد فلا عبرة بموافقة غير المجتهدين أو مخالفته ,وذلك لعجزهم عن الاستدلال والنظر وعلى هذا إذا خلا العصر عن المجتهدين لم يتحقق أجماع شرعي إما إذا وجد عدد منهم في إي عصر فالإجماع ينعقد عند الجمهور مهما كان عددهم
والشرط في الإجماع عند أكثر العلماء اتفاق جميع المجتهدين فلو خالف واحد منهم لن ينعقد الإجماع ــ لان الحق يحتمل أن يكون في جانب المخالف فلا يكون الاتفاق من أكثر حجة مع هذا الاحتمال ،وعن أحمد في إحدى الروايتين عنه عدد المخالفين حد التواتر .
يطلق الحنفية الإجماع السكوتى على اتفاق فريق من المجتهدين على حكم شرعي مع سقوط الباقين مدة التأمل من غير عذر .
وتقييد الإجماع بصدوره من مجتهدى أمة محمد _ صلى الله عليه وسلم _ يفيد أن إجماع أهل الأديان الأخرى ليس حجة شرعية , وأنه لا يعتد بقبول المبتدع بما يفكر , لأنه غير مندرج في الأمة المحمدية , وغير مؤتمن على شئونها .
وكذلك تقييد الاتفاق من المذكورين لكونه في عصر من العصور , لإفادة انه لا يشترط اتفاقهم في جميع العصور , وإلا لم يتحقق إجماع أصلا , كما انه يفيد أن الإجماع لا يتقيد لكونه إجماع الصحابة , كما قال بذلك الظاهرية واحمد في إحدى الروايتين لتعذر وقوعه بعد عصرهم.
وإنما كان اتفاق المجتهدين بعد وفاة الرسول لأنه لا وجود للإجماع في حياة الرسول ,لان الرسول إما أن يوافق المجمعين أو يخالفهم , فان وافقهم على الحكم الذي اجمع عليه الصحابة ثبت الحكم بالسنة لا الإجماع , وان خالفهم لا عبرة باتفاقهم ولا يكون إجماعا فلا يثبت به حكم , فلا تحقق الإجماع في عصر الرسول للاستغناء عنه بالوحي في زمن النبوة .
والتقييد بكون الإجماع محله الحكم الشرعي دون الحكم العقلي , والعادي أو اللغوي , لان الاتفاق على ذلك لا يعد إجماعا شرعيا .
واشترط في الإجماع أن يكون الحكم حكم شرعيا اجتهاديا , لأنه لا يعد إجماعا اتفاقهم على الحكم الذي لا محالة للاجتهاد في , والذي لا يدرك بالعقل والرأي , كالمقدرات الشرعية ,لأن سنده هو الدليل السمعي ــــ وكذلك كل حكم شرعي ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة لا يكون محل للإجماع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اجماع العلماء الفقهاء
ونعني بالحادثة: الحادثة الشرعية، وإجماع هذه الأمة حجة دون غيرها لقوله -صلى الله عليه وسلم- لا تجتمع أمتي على ضلالة والشرع ورد بعصمة هذه الأمة، والإجماع حجة على العصر الثاني وفي أي عصر كان، ولا يشترط انقراض العصر على الصحيح، فإذا قلنا: انقراض العصر شرط؛ فيعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه وصار من أهل الاجتهاد، ولهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم والإجماع يصح بقولهم وبفعلهم وبقول البعض وبفعل البعض وانتشار ذلك وسكوت الباقين عنه.
قول الصحابي.
وقول الواحد من الصحابة ليس بحجة على غيره على القول الجديد.
الأخبار: وأما الأخبار فالخبر ما يدخله الصدق والكذب، والخبر ينقسم إلى قسمين: آحاد ومتواتر.
فالمتواتر: ما يوجب العلم وهو أن يروي جماعة لا يقع التواطؤعلى الكذب من مثلهم إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه ويكون في الأصل عن مشاهدة أو سماع لا عن اجتهاد.
والآحاد هو: الذي يوجب العمل، ولا يوجب العلم. وينقسم إلى: مرسل ومسند:
فالمسند: ما اتصل إسناده.
والمرسل: ما لم يتصل إسناده.
فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة إلا مراسيل سعيد بن المسيب فإنها فتشت ووجدت كما هي.
والعنعنة تدخل على الإسناد، وإذا قرأ الشيخ .. أن يقول حدثني وأخبرني، وإن قرأ هو عن الشيخ يقول: أخبرني. ولا يقول: حدثني. وإن أجازه الشيخ من غير قراءة فيقول: أجازني، أو أخبرني إجازة.
القياس.
وأما القياس فهو: رد الفرع إلى الأصل بعلة تجمعهما في الحكم. وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إلى قياس علة، وقياس دلالة، وقياس شبه.
فقياس العلة: ما كانت العلة فيه موجبة للحكم.
وقياس الدلالة هو: الاستدلال بأحد النظيرين على الآخر، وهو أن تكون العلة دالة على الحكم، ولا تكون موجبة للحكم.
وقياس الشبه هو: الفرع المتردد بين أصلين، فيلحق بأكثرهما شبها.
ومن شرط الفرع أن يكون مناسباً للأصل.
ومن شرط الأصل أن يكون ثابتاً بدليل متفق عليه بين الخصمين.
ومن شرط العلة أن تطرد في معلولاتها، فلا تنتقض لفظاً ولا معنى.
ومن شرط الحكم أن يكون مثل العلة في النفي والإثبات. والعلة هي الجالبة للحكم والحكم هو المجلوب للعلة.
--------------------------------------------------------------------------------
ذكر العلماء أن الأدلة في الأصل الكتاب والسنة، متفق على أنهما دليلان وقد ورد حديث عن معاذ لما أرسله النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كيف تقضي؟ قال: بكتاب الله. فقال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأي. فقال: الحمد الله الذي وفق رسول رسول الله إلى ما يرضي رسول الله فبدأ بالقرآن ثم بالسنة ثم الاجتهاد وذلك هو القياس.
اتفقوا على أن الإجماع حجة، الإجماع هو: إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- على حكم من الأحكام، ولا يكون فيهم مخالف. أو إجماع التابعين كلهم واتفاقهم ولا يوجد بينهم خلاف، أو إجماع تابعي التابعين يعني: أهل القرن الثالث ولا يوجد من يخالف فيهم.
فاتفاق الأمة واجتماعها على حكم من الأحكام يسمى إجماعا؛ لاجتماع الأمة عليه، فيعرف بأنه اتفاق علماء العصر على حكم الحادثة، ولا يعتبر خلاف العامة لأن العبرة إنما هو بالعلماء الذين عندهم معرفة، فأما العوام إذا خالفوا أو أنكروا فلا يلتفت إلى إنكارهم؛ بل الأصل أن القول إنما هو قول العلماء، وكذلك أيضا قد لا يلتفت إلى خلاف شاذ كانفراد واحد بالخلاف، في إنكار أمر من الأمور المشروعة أو الجائزة، أو المعمول بها فالخلاف الشاذ لا يلتفت إليه؛ ولأجل ذلك لم يلتفت العلماء إلى خلافات الظاهرية كابن حزم فإنها متكلفة، ولو كان عنده اطلاع على الأدلة، عنده قدرة على الاحتجاج؛ ولكن له أقوال خالف فيها أقوال جماهير الأمة، كذلك يوجد بعض الخلاف من بعض الشذاذ لم يلتفتوا إليه، خالف بعض العلماء –مثلا- واحد ذكروا عنه أنه لم يبح بيع السلم، وعلل بأنه بيع لشيء مجهول، ولم يبح ..، وبيعه لأنه مال للغير، ولم يبح القرض لأنه تملك لمال الغير، ولم يبح الحوالة؛ لأنها تغرير لإرسال المال مع غير موثوق أو نحو ذلك، لم يلتفت العلماء على خلاف مثل هذا؛ بل جعلوا إجماع واتفاق أهل العصر خاصهم وعامهم –جعلوه- حجة.
يقول: من المراد بالعلماء؟ هم الفقهاء. يعني: الذين عندهم فقه، قد تقدم أن الفقه: معرفة الأحكام التي طريقها الاجتهاد.
ما المراد بالحادثة؟ أي: أمر يحتاج إلى الفتوى فيه -فتوى شرعية- حادثة تحتاج إلى فتوى كصفة طلاق –مثلا- أو صفة نكاح أو صفة نفقة يعني: كيف يكون فيها أو شرط من الشروط في البيع، أو من الشروط في النكاح أو ما أشبه ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإجماع في الفقه
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإجماع عرفه العلماء بعدة تعاريف وفيها اختلاف يسير ولعل من أخصرها وأشملها أنه: اتفاق جميع العلماء المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في أي عصر من العصور على أمر ديني.
فخرج بإضافة الاتفاق إلى جميع العلماء المجتهدين المتعلم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد فضلا عن العامي ومن في حكمه، فلا عبرة بخلافهم ولا بوفاقهم، كما خرج أيضاً الاتفاق الحاصل من بعض المجتهدين دون بعض. والمراد بالتقييد بما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بيان بدء الوقت الذي يوجد فيه الإجماع،
أما زمن حياته فلا يعتد فيه بالإجماع لأنه زمن نزول الوحي، فالمرد في الإحكام فيه إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد بقول المعرف: في أي عصر من العصور التنبيه إلى اعتبار الإجماع في أي عصر وجد بعد زمن النبوة سواء في ذلك عصر الصحابة وغيرهم خلافاً لمن خصه بعصر الصحابة كداود الظاهري ومن وافقه.
وهو حجة عند الجمهور، وخالف في ذلك الشيعة والخوارج والنظام.
وينقسم إلى قسمين:
1/ إجماع قولي فعلي.
2/ إجماع سكوتي.
فالأول: أن يصرح كل فرد بقوله في الحكم المجمع عليه، أو يفعله فيدل فعله إياه على جوازه عنده، وهذا النوع من الإجماع لا خلاف في حجيته عند القائلين بثبوت الإجماع.
الثاني من قسمي الإجماع: أن يحصل القول والفعل من البعض وينتشر ذلك عنهم، ويسكت الباقون عن القول به ولا ينكروا على من حصل منه، ومن أمثلته العول فقد حكم به عمر رضي الله عنه بمشورة بعض الصحابة وسكت باقيهم.
وهذا القسم مختلف فيه، فقال قوم: إنه إجماع لا يسوغ العدول عنه، وقال قوم: إنه ليس بإجماع ولا حجة، وقال آخرون: إنه حجة وليس بإجماع. ولكل منهم دليل على ما قال. ثم إن الجمهور من العلماء قالوا بانعقاد الإجماع من وقت حصوله، ولا يشترط عندهم انقراض عصر المجمعين، فلا يسوغ لأحد الرجوع عن رأيه الموافق للإجماع، على قول الجمهور.
والله أعلم.
الإجماع في الفقه
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإجماع عرفه العلماء بعدة تعاريف وفيها اختلاف يسير ولعل من أخصرها وأشملها أنه:
اتفاق جميع العلماء المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في أي عصر من العصور على أمر ديني.
فخرج بإضافة الاتفاق إلى جميع العلماء المجتهدين المتعلم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد فضلا عن العامي ومن في حكمه، فلا عبرة بخلافهم ولا بوفاقهم، كما خرج أيضاً الاتفاق الحاصل من بعض المجتهدين دون بعض. والمراد بالتقييد بما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بيان بدء الوقت الذي يوجد فيه الإجماع،
أما زمن حياته فلا يعتد فيه بالإجماع لأنه زمن نزول الوحي، فالمرد في الإحكام فيه إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد بقول المعرف: في أي عصر من العصور التنبيه إلى اعتبار الإجماع في أي عصر وجد بعد زمن النبوة سواء في ذلك عصر الصحابة وغيرهم خلافاً لمن خصه بعصر الصحابة كداود الظاهري ومن وافقه.
وهو حجة عند الجمهور، وخالف في ذلك الشيعة والخوارج والنظام.
وينقسم إلى قسمين:
1/ إجماع قولي فعلي.
2/ إجماع سكوتي.
فالأول: أن يصرح كل فرد بقوله في الحكم المجمع عليه، أو يفعله فيدل فعله إياه على جوازه عنده، وهذا النوع من الإجماع لا خلاف في حجيته عند القائلين بثبوت الإجماع.
الثاني من قسمي الإجماع: أن يحصل القول والفعل من البعض وينتشر ذلك عنهم، ويسكت الباقون عن القول به ولا ينكروا على من حصل منه، ومن أمثلته العول فقد حكم به عمر رضي الله عنه بمشورة بعض الصحابة وسكت باقيهم.
وهذا القسم مختلف فيه، فقال قوم: إنه إجماع لا يسوغ العدول عنه، وقال قوم: إنه ليس بإجماع ولا حجة، وقال آخرون: إنه حجة وليس بإجماع. ولكل منهم دليل على ما قال. ثم إن الجمهور من العلماء قالوا بانعقاد الإجماع من وقت حصوله، ولا يشترط عندهم انقراض عصر المجمعين، فلا يسوغ لأحد الرجوع عن رأيه الموافق للإجماع، على قول الجمهور.
والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصطلح الإجماع
إشكالية المفهوم بين المثالية و الواقعية
عرض و تلخيص
نشرت مجلة إسلامية المعرفة في العدد الحادي و العشرون مقالاً مـسهباً للدكتور قطب سانو تحت عنوان " في مصطلح الإجماع الأصولي " تعرض فيه لبيان مفهوم الإجماع و تاريخ نشأة و تطور هذا المفهوم .
وقد وجدت أسرة " الرشاد " في هذا المقال محاولة أصيلة في تجديد و تفعيل هذا المفهوم و إعادته إلى دوره الذي كان يؤديه في عصر النبوة و عصر الخلفاء الراشديـن، فأحبت أن تشارك الأخوة القراء هذا الطرح المقاصدي المتميز .
يعدُ الإجماع عند جمهور علماء المسلمين أحد مصادر التشريع و يلي السنة عندهم في الترتيب . فالمجتهد الباحث عن حكم الله في حادثة أو نازلة يرجع إلى القرآن و السنة فإن لم يعثر على حكم فيهما فإنه يلوذ بالإجماع للتعرف على حكم الله في تلك النازلة . و إنكار الإجماع بعد ثبوته يُخرج المنكِر من المـلة و هو عند أكثر الأصوليين حجة قطعية و ينسب إلى البدعة أو الضلال أو الكفر من خالفه أو أنكره .
و نظراً لهذه المكانة العالية للفكرة الإجماعية في الفكر الأصولي فإن هناك حاجة ماسّة لتحقيق القول في مصطلح الإجماع و تحديد موقعه من ثنائية المثالية و الواقعية في الفكر الإسلامي . و هناك أيضاً أهمية علمية للقيام بمراجعة نقدية للمعاني التاريخية و الحمولات الفكرية التي حمـّل بها هذا المصطلح عبر تاريخ الفكر الأصولي . و تهدف هذه الدراسة إلى التوصل إلى ضبط علمي و منهجي محكم لمفهوم مصطلح الإجماع و مجالات توظيفه ليغدو بذلك مصطلحاً ذا معنى واقعي و مؤثر في توجيه حركة الحياة وفق المنهج المراد لله تعالى على مستوى الفرد و على مستوى الأمة .
إن القناعة بأن نشأة مصطلح الإجماع يعود إلى العصر الراشدي على أقصى تقدير تحتاج إلى إعادة النظر إذ أنها تتضمن إسقاطاً تاريخياً لمضمون متأخر محدَث على مصطلح علمي قديم. فمفهوم الإجماع في عصر الرسالة يجب أن لا يتضمن المعاني التي أعطاها إياه العلماء في العصور اللاحقة ، كما أن مفهومه في عصر الخلفاء الراشدين يجب أن لا يكون تبعاً لما آل إليه الأمر في العصور اللاحقة بذلك العصر . و من ثمَّ فإن الإحتكام إلى المعاني الجديدة المستحدثة للمصطلح و اتخاذ تلك المعاني أساساً للحكم على مدى وجود المصطلح و عدمه لا يعدو أن يكون إسقاطاً لا يقبله البحث العلمي النـزيه .
و إذا أردنا البحث عن تاريخ نشأة مصطلح الإجماع فتحسن البداية بمعرفة المعنى اللغوي لهذا المصطلح و هو الوصول إلى إتفاق ناتج عن تشاور أهل العلم و المعرفة و الدراية في قضية أو نازلة من النوازل . و انطلاقاً من هذا المعنى فيمكننا أن نقرر أن مصطلح الإجماع بهذا المعنى كان مستعملاً في عهد النبي الكريم صلى الله عليه و سلم .
فنصوص القرآن و السنة تقرر بشكل جلي المنهج الجماعي الذي كان الرسول الكريم يتبعه في التعامل مع النوازل العامة . فإن من المتواتر عنه أنه كان يدعو – الصلاة جامعة – ليحاور الصحابة في النوازل و المستجدات التي كانت تداهم حياة الجماعة المسلمة في المدينة . فالفكرة الإجماعية كانت موجودة في عصر الرسالة و تتمثل في العلاقة بين الشورى و الإجماع . فالشورى هي مقدمة ضرورية للإجماع حيث لا إجماع بلا شورى و الإجماع في الوقت نفسه هو إحدى نتائج الشورى و ذلك عندما يكون هناك اتفاق بين المتشاورين حول المسألة موضوع التشاور .
إن مصطلح الإجماع بمشتقاته اللغوية التي انبثقت منها المعاني الإصطلاحية فيما بعد، كان موجوداً و مستعملاً في عصر الرسالة ، و لكنه لم يتم استخدامه في ذلك العصر كمصطلح علمي ينصوي تحت فن من الفنون ، بل كانت فكرة الإجماع تتمثل في تشاور أهل المعرفة و الرأي و رجال القيادة و الحكم في نازلة من النوازل التي تعم فيها البلوى و تمس حياة المجتمع و ذلك بغية الصدور عن رأي جامع في تلك النازلة . فنشأة الفكرة الإجماعية ارتبطت بنشأة الجماعة الإسلامية كـكيان سياسي متميز بالمدينة المنورة يوم قامت للمسلمين دولة في يثرب .
و قد تمثلت فكرة الإجماع في تبني المنهج الجماعي في القضايا و النوازل و المستجدات التي تعم فيها البلوى و تشمل جميع أفراد الأمة حديثة التكوين . و كان لهذا الإجماع دور كبير في الإستقرار و الأمن الذي طبع سياسة الأمة في تلك الفترة . فعموم الأمة كانت تتحمل تبعة الرأي الجماعي الذي يشكله أهل الشأن و الدراية بموضوع الإجماع .
و في عصر الخلفاء الراشدين كان منهج الخلفاء و الصحب امتداداً للمنهج النبوي في معالجة الأزمات و النوازل و كان منهجهم انعكاساً للتربية النبوية التي ربى النبي الكريم أصحابه عليها خلال سنوات البعثة .
فكانت سياسة الصدّيق أبو بكر في مواجهة الأحداث و النوازل أن يجمع الصحابة و يستشير أعيانهم و أولي الأحلام منهم ثمّ الصدور عن الرأي الذي يتوصل إليه أهل العلم و المعرفة و الدراية . و أما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فإن منهجه في معالجة النوازل العامة هو ما أكده الإمام أبو عبيدة في كتاب " القضـاء " عندما قال : و كان عمر يفعل ذلك – أي مثلما كان يفعل أبو بكر – فإذا أعياه أن يجد ذلك في الكتاب و السنة ، سأل : هل كان أبو بكر قضى فيه بقضاء ؟ فإن كان فيه لأبي بكر قضاء قضى به و إلا جمع الناس و استشارهم فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به .
و قد نقل الإمام الدارمي في مسنده عن المسيب بن رافع واصفاً المنهج الجماعي الذي كان الصحب الكرام ينتهجونه في التصدي للنوازل العامة ، و قال ما نصّه : كانوا إذا نزلت بهم قضية ليس فيها من رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر ، اجتمعوا لها و أجمعوا ، فالحقّ فيما رأوا .
و على هذا يمكن القول بأن مفهوم الإجماع في هذا العصر لم يشهد تغييراً ذا بال على مستوى المحتوى و المنهج و لكنه شهد تويعاً في استخدامه و توظيفه في سائر النوازل و الحوادث التي داهمت الحياة الإسلامية في ذلك العصر و ذلك نتيجة تنوع و تتابع الأزمات و النوازل على الساحة الإسلامية .
على أن الجدير بالذكر و التقدير أن الصحب الكرام ظلوا محافظين على استخدام هذه الوسيلة في القضايا و الشؤون التي تعم فيها البلوى و لم يستجرّوه للفصل في القضايا الخاصة . و لعل تكثيف استخدام الإجماع في هذا العصر هو الذي دفع الكاتبين في تاريخ نشأة الفكرة الإجماعية إلى اعتبار العصر الراشدي هو العصر الذي ظهر فيه هذا المصطلح ، و الحال أن معنى المصطلح و محتواه كان موجوداً و حاضراً و فاعلاً في حياة الأمة في عصر الرسالة على مستوى توجيه النوازل السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية التي تنزل بالمسلمين آنذاك . و قد حان الأوان لأن يعاد النظر فيما تصر المدونات الأصولية عليه من اعتبار الفكرة الإجماعية فكرةً ناشئة في العصر الراشدي ، كما أنه من الجدير بالمراجعة و التجاوز رأي الذين حصروا مصدرية الإجماع في العصر الراشدي دون سواه من العصور اللاحقة و السابقة .
و نظرة متفحصة في المنهج الذي كان يتبعه خلفاء بني أمية و خلفاء بني العباس في التصدي للنوازل و الحوادث العامة خلال سني حكمهم تهدينا إلى القول بأن الإجماع أخذ يتراجع و يغيب كوسيلة لمواجهة الأزمات و أصبح أهل العلم و الدراية و المعرفة في ذلك العصر في واد و رجال الحكم و السياسة و القيادة في زاد آخر و غدا ثمـّة فصام نكد و قطيعة عميقة بين رجال السيف و الحكم و أهل القلم و العلم . و هنا لا بد من تسجيل التحول و التغير الذي حدث لمفهوم مصطلح الإجماع من جهة ، و مجالات توظيفه و استخدامه من جهة أخرى .
فبعد أن كان الإجماع ينصبُّ على القرار الذي تتوصل إليه جماعة أهل الرأي و العلم و الدراية مع رجال الحكم و القيادة في التصدي للنوازل و الحوادث التي تعم الجماعة و الأمة ، غدا هذا المفهوم غير مستقر و لا معتبر . فقد تمّ استبعاد دور رجال القيادة السياسية في تصور الإجماع عند جماعة العلماء ، و كذلك فقد استبعد رجال القيادة السياسية العلماء في قراراتهم و مداولاتهم . و هكذا فإن القار الذي يتوصل إليه أيٌّ من الفريقين ما كان له أن يوصف بأنه رأي الجماعة ، الأمر الذي يعني في نهاية المطاف تعذر انعقاد إجماع في أيـة نازلة من النوازل .
و من جهة أخرى فإن مجالات توظيف و استخدام فكرة الإجماع تغيرت و توسعت و أصبحت يقحم بها في جميع المسائل و القضايا بغض النظر عن كونها مسائل عامة أو مسائل خاصـة . و تمّ استدعاء مفهوم الإجماع للمصادقة على أحكام مسائل وردت فيها نصوص من القرآن و السنـة حتى المتواتر منها في كل صغيرة و كبيرة تحولاً عن سيرة الرعيل الأول من الأصحاب في توظيف فكرة الإجماع للإسهام في معالجة الأزمات المتجددة و النوازل العامة الطارئة .
و أصاب مفهوم الإجماع تحول آخر إذ أصبح يعني موافقة جميع أهل العلم دون مخالفة أحد منهم ، بحيث إذا كان لأحد العلماء رأي مخالف لرأي الجماعة فإن الرأي الذي يتوصل إليه الغالبية لا يعـدُّ إجماعاً ملزماً و ذلك على العجميل لما كان عليه الأمر في عصر النبي صلى الله عليه و سلم و عصر الخلفاء الراشدين حيث كان يـُكتفى لإنعقاد الإجماع بالرأي الذي ترجحه الغالبية و السواد الأعظم و يتم إعتماده رأياً للجماعة تتحرك بموجبه تأكيداً لوحدة الكلمة و التوجه . أما الآراء التي أدلى بها المتحاورون عند التداول و التشاور بين أفراد أهل العلم و المعرفة ، فيتم التنازل عنها – عملياً – من أجل رأي الأغلبية .
أضف إلى هذا أن القرار الإجماعي في عصر الرسالة و عصر الخلفاء الراشدين كان يتشكل من جماعة أهل العلم و المعرفة و الدراية في المنطقة التي تنزل بها النازلة ، و لم يـُؤثر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه بعث أحداً إثر العالمين من الصحابة القاطنين في أماكن أخرى للمشاركة في اتخاذ قرار الجماعة في النوازل التي كان يجمع لها الصحابة للتشاور و التحاور .
و لم يُؤثـَر كذلك عن الخلفاء الراشدين استدعاؤهم علماء الصحابة أو الولاة إلى المدينة للتشاور معهم و التحاور في النوازل التي اتخذوا فيها قرارات عرفت بعد ذلك بإجماعات الصحابة .
و هذا يعني أنه لم يكن ثـمّة توسع في اندراج عالمين خارج منطقة النازلة في عصر الرسالة و عصر الخلفاء الراشدين . و لكن هذا الحصر لدائرة الداخلين في تشكيل الإجماع تبدل و توسع حتى أصبح يشمل اندراج جماعة أهل العلم و المعرفة القاطنين في أرجاء الدولة الإسلامية بغض النظر عن كون النازلة عامة لجميع الأقطار أو خاصة لبعضها دون بعض .
و من هنا يمكن القول إن هذه التحولات في مفهوم الإجماع و مجالات استخدامه صيّرته مصطلحاً ذا مفهوم مثالي – غير واقعي – و غير فاعل و لا مؤثر في تشكيل رأي موحد في توجيه الأمة عند الأزمات و النوازل .
و لا تزال حالة مصطلح الإجماع على ما كانت عليه منذ عهد التدوين إلى يومنا هذا إذ ليس هناك تجديد في الموقف من المعاني المثالية التي نسجت حوله بعد عصر الخلفاء الراشدين . و على هذا فإن إعادة الواقعية و الفاعلية إلى مصطلح الإجماع تظل مرهونة بإعادته إلى سيرته الأولى وسيلة للتصدي للنوازل الفكرية و السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية التي تتجدد على الساحة يوماً بعد يوم ، للوصول إلى قرار جماعي – أغلبي - ينطوي على خير ما يعلمه أهل الدراية و المعرفة في الأمة ، و تجريده من المعاني المثالية التي نسجت حول مفهومه و المتأهلين له و مجالات توظيفه .
إن النقاشات التي تمتلئ بها بطون كتب الفقه و الأصول حول فكرة الإجماع تعريفاً و حجيـّة، و إمكانية وقوع أو عدمه ، و شروط المجمعين ، و حكم نسخ الإجماع بإجماع آخر ، و غير ذلك من المسائل التي لا نفتأ نرددها ليل نهار ، إن تلك المناقشات تغفل ما كان للظروف السياسية و الفكرية من تأثير في توليدها و لهذا فإنها تجنح إلى التكرار و لا تسهم في البحث عن الحلول العملية و عن البدائل للخروج من النظريات المثالية في تاريخنا الإسلامي . و لهذا لا بد من إعادة الوعي للمنهج النبوي في تسيير الشؤون العامة للأمة و منهج خلفائه الراشدين في اتباع تلك المنهجية في قضايا الأمة المصيرية بحيث تستبعد دعاوى الإجماع في أية قضية فردية لا تعم بها البلوى ، و يكتفى بالحديث عن الإجماع في المسائل المصيرية لعموم الأمة و جوداً و تنظيماً و تخطيطاً . أما مسائل الأفراد و قضاياهم الخاصة سواء وردت فيها نصوص أم لم ترد ، فليس من المقبول اقحام الإجماع في تلك القضايا بل تترك للعلماء لإبداء وجهة نظرهم فيها بما يتناسب مع مرونة الشريعة لإستيعاب اختلاف الأحوال و الأشخاص .
و يوم تعي القيادة السياسية في بلاد المسلمين هذا البعد الإجماعي في تدبير شؤون الأمة المصيرية و أحوالها العامة ، فإن استقراراً سياسياً و أمنياً سوف يعم الأرجاء فتنعم به البلاد و العباد .
و أخيراً فإن ما يصادفه المرء في كتب الفقه و الأصول و الفروع من دعاوى الإجماع على كثير من المسائل الإجتهادية لا يعدو أن يكون دعاوى لا نصيب لها من الحقيقة و المشروعية ، و من ثمّ فإن تجاوزها باجتهاد شرعي صحيح لا يترتب عليه تفسيق و لا تبديع أو تكفير ، و ذلك ترجيحاً للمقولة الذهبية التي رد بها الإمام أحمد – رحمه الله – على غلاة دعاة الإجماع في كل صغيرة و كبيرة من المسائل الإجتهادية " .. من ادعى الإجماع فهو كذاب ، لعل الناس قد اختلفوا ، ما يدريه ؟ و لم ينته إليه ، و لكن يقول : لا نعلم الناس اختلفوا .
و نأمل أن يكون في هذا التحليل الموضوعي لمعنى الإجماع تأصيل للتوجه الجماعي و نبذ الفردية في معالجة القضايا العامة . و نأمل كذلك أن لا يساء فهم هذا الطرح لمعنى الإجماع ليتخذ مسوغاً لطرح ما أجمع عليه علماء و مختصون في شأن من الشؤون قبل وضوح الحجة و قيام البينة على وجاهة الإنتقال من رأي إلى آخر لأسباب موضوعية واقعية و بعد استشارة و تداول يؤكد غياب الإرتجال و الإستعجال .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعريف الإجماع و بعض المسائل المتعلقة بالإجماع
تعريف الإجماع و بعض المسائل المتعلقة بالإجماع بشيء من الاختصار وليس ذلك بالطويل الممل ولا بالقصير المخل رجوت فيه النفع للإخوة الفضلاء بأبسط صورة ليتمكن من فهمه المبتديء فارجو أن يحصل المقصود بذلك والله الموفق .
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
أولاً : تعريف الإجماع لغةً واصطلاحاً :
وهو في اللغة يرد لثلاث معان :
أحدها : العزم على الشيء والتصميم عليه ذكره الجميلائي والفراء وغيرهما ، ومنه قولهم : أجمع فلان على كذا إذا عزم عليه ومنه قوله تعالى : فأجمعوا أمركم : أي اعزموا وبقوله عليه السلام : " لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل " ( أخرجه الخمسة من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر عن حفصة _ رضي الله عنهم _ مرفوعاً واختلف في وقفه ورفعه ورجح البخاري وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والنسائي وقفه، ورجح ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي والخطابي رفعه ، وقال البخاري : فيه اضطراب ، وقال أحمد : ماله عندي ذاك الإسناد )
ويجمع أي يعزم وبهذا بوب الترمذي في سننه .
وقال الشاعر :
أجمعوا أمرهم بليلٍ فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
الثاني : تجميع المتفرق ومنه قوله تعالى : يوم يجمعكم ليوم الجمع
الثالث : الاتفاق ذكره أبو علي الفارسي والراغب في المفردات والزبيدي وغيرهم ، ومنه قولهم : أجمع القوم على كذا إذا اتفقوا عليه ، ويقال : هذا أمر مجمع عليه أي متفق عليه .
وفي الحقيقة المعاني كلها تعود إلى معنى الاتفاق فالعزم على الشيء هو اتفاق الخواطر والنوايا على أمرٍ واحدٍ هو ما عزم عليه الشخص وتجميع المتفرق يؤول إلى الاتفاق .
وقد اختلف في دلالة الإجماع على العزم والاتفاق هل هو من باب الاشتراك اللفظي ؟ أو أنه حقيقة في الاتفاق مجاز في العزم ؟ أو حقيقة في العزم مجاز في الاتفاق ؟ ثلاثة أقوال .
الإجماع اصطلاحاً :
اختلفت عبارات الأصوليين في تعريف الإجماع والسبب في هذا يعود إلى أمور :
الأول : الخلاف في تحديد المجمعين فالبعض يرى أنه خاص بأهل الحل والعقد من المجتهدين والبعض الآخر يجعله عاماً فيدخل فيه جميع الأمة من العوام وغيرهم فمن يخصه بالمجتهدين يعبر بقوله : ( اتفاق المجتهدين ) ومن يدخل العوام يعبر بقوله : ( اتفاق الأمة ) .
الثاني : الخلاف في زمن الإجماع فبعضهم يخصه بعصر الصحابة كابن حزم ومن وافقه وبعضهم يجعله عاماً في جميع العصور ، فمن يخصه بعصر الصحابة يعبر بقوله : ( اتفاق أصحاب رسول الله ) أو اتفاق ( الصدر الأول ) ومن يجعله عاماً يقول : ( اتفاق المجتهدين في جميع العصور )
الثالث : الخلاف في الأمور المجمع عليها فبعضهم يحصرها في الأمور الشرعية وبعضهم يعممها ، فمن يحصرها بالأمور الشرعية يقول : ( اتفاق على أمرٍ أو حكمٍ شرعي أو ديني ) ومن يعممها يقول : ( اتفاق على أمرٍ من الأمور ) .
الرابع : الخلاف في بعض شروط الإجماع مثل اشتراط انقراض العصر واشتراط بلوغ المجمعين عدد التواتر ونحوها فمن يشترط ذلك يجعله قيداً في التعريف ومن لا يشترطه لا يذكره في التعريف .
التعريف المختار :
لعل من أسلم التعريفات للإجماع والذي يتناسب مع ما نرجحه في مسائل الإجماع هو أنه :
( اتفاق المجتهدين من أمة محمدٍ بعد وفاته في عصرٍ من العصور على أمرٍ ديني )
محترزات التعريف :
قولنا ( اتفاق ) قيد يخرج الاختلاف ، واتفاق جنس يشمل كل اتفاق سواء كان من الكل أو من البعض وسواء كان من المجتهدين وحدهم أو من جميع الأمة ، ويؤخذ من قولنا اتفاق أنه أقل ما يمكن أن يحصل به الاتفاق اثنان .
قولنا ( المجتهدين ) قيد يخرج من ليس مجتهداً كالعوام والعلماء الذين لم يبلغوا مرتبة الاجتهاد ، و ( أل ) في المجتهدين للاستغراق أي اتفاق جميع المجتهدين فلا يكفي اتفاق الأكثر أو البعض كما سيأتي .
فيخرج بهذا : قول الأكثر ، وإجماع أهل المدينة ، وإجماع الخلفاء الأربعة ، وإجماع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وإجماع أهل الحرمين : مكة والمدينة ، وإجماع أهل المصرين : الكوفة والبصرة فكلها لا تسمى إجماعاً كما سيأتي بيانه .
والاجتهاد هو ( بذل الفقيه وسعه للوصول إلى حكمٍ شرعي ظني )
قولنا ( من أمة محمدٍ ) قيد يخرج ما سوى الأمة المحمدية كاليهود والنصارى ، والمراد بالأمة هنا أمة الإجابة وهم المسلمون أتباع النبي ، وعليه فيخرج من كُفِّر ببدعته فلا عبرة بقوله .
قولنا ( بعد وفاته ) قيد يخرج ما كان في حياته ؛ إذ لاحاجة إلى الإجماع حينئذٍ لنزول الوحي .
قولنا ( في عصرٍ من العصور ) بيان أن المراد مجتهدو العصر الواحد وليس جميع المجتهدين في جميع العصور إلى قيام الساعة ؛ لأنه يلزم منه عدم حصول الإجماع إلا بعد قيام الساعة ولا تكليف عندئذٍ فلا حاجة إلى الإجماع .
ويؤخذ من قولنا ( عصر ) أنه في أي عصرٍ كان فلا يختص ذلك بعصر الصحابة كما سيأتي بيانه .
قولنا ( على أمرٍ ديني ) قيد يخرج ما سوى الأمور الدينية كالأمور الدنيوية والعقلية واللغوية ونحوها فهي غير داخلة في الإجماع الشرعي المعصوم والمراد هنا ، ويدخل في الأمر الديني العقائد والأحكام .
ثانياً : إمكان حصول الإجماع وانعقاده :
ذهب الأكثرون إلى القول بجواز حصول الإجماع وإمكان انعقاده ، وذهب بعضهم _ وهم الأقل _ إلى عدم جواز ذلك ، وسوف نكتفي بذكر أدلة القول الأول وذلك لضعف وشذوذ القول الثاني ( الكلام في هذه المسألة عن الجواز العقلي لا الوقوع الشرعي ) .
أدلة القول بجواز حصول الإجماع وإمكان انعقاده :
الدليل الأول : وجوده وحصوله فقد وجدنا الأمة مجمعة على أن الصلوات خمس وأن صوم رمضان واجب ، وكيف يمتنع تصوره والأمة كلهم متعبدون باتباع النصوص والأدلة القاطعة ومعرضون للعقاب بمخالفتها .
فإن قيل هذه الأمور حصلت بالتواتر وليس بالإجماع ؟
أجيب بأن هذه الأمور حصلت بالأمرين معاً : التواتر والإجماع مقارنة أو مرتباً بمعنى أنه حصل الإجماع والتواتر معاً ، أو حصل التواتر ثم الإجماع ، أو حصل الإجماع ثم التواتر فالمقصود هو أنه حصل فيها الإجماع وهو المطلوب .
فإن قيل هذه علمت من الدين بالضرورة ومحل الخلاف هو فيما لم يعلم بالضرورة ؟
أجيب : بأنه حصل الإجماع كذلك فيما لم يعلم بالضرورة كالإجماع على أجرة الحمام وأجرة الحلاق ، وخلافة أبي بكر رضي الله عنه ، وتحريم شحم الخنزير ، وتحريم بيع الطعام قبل القبض ، وتوريث الجدة السدس ، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها وغير ذلك .
الدليل الثاني : القياس على حصول الإجماع في الأمور الدنيوية فكما لا يمتنع اجتماعهم على الأكل والشرب لتوافق الدواعي فكذلك على اتباع الحق واتقاء النار .
الدليل الثالث : القياس على حصول الاتفاق من الأمم الباطلة فكما حصل إطباق اليهود مع كثرتهم على الباطل فلم لا يتصور إطباق المسلمين على الحق ؟! .
الدليل الرابع : أن الأصل هو الجواز والإمكان ، ويلزم من يدعي خلاف ذلك أن يأتي بالدليل .
ثالثاً : إمكان الاطلاع على الإجماع و العلم به :
اختلف في هذا على أقوال :
الأول : أنه يمكن العلم بالإجماع والاطلاع عليه في جميع العصور وهو قول الجمهور .
الثاني : أنه يمكن العلم بالإجماع والاطلاع عليه في العصور الثلاثة فقط وهو قول صاحب فواتح الرحموت .
الثالث : أنه يمكن العلم بالإجماع والاطلاع عليه في عصر الصحابة فقط ، وأما بعدهم فيتعذر ذلك ، وهو رواية عن أحمد وظاهر صنيع ابن حبان في صحيحه ومال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية وهو قول الفخر الرازي والآمدي وهو قول ابن حزم إلا أن هؤلاء يخالفون ابن حزم في الحجية فابن حزم يقصر الحجية على الصحابة فقط والبقية يرونه حجة في كل وقت وإنما يرون تعذر الاطلاع عليه بعد الصحابة .
الرابع : أنه لا يمكن العلم بالإجماع ولا الاطلاع عليه مطلقاً ، وهو قول من رأى عدم إمكانية حصول الإجماع من باب أولى ، ومن رأى عدم حجيته أيضاً كالنظام المعتزلي وبعض الشيعة والخوارج .
لعل أقرب هذه الأقوال هو القول الثالث وذلك لكثرة المجتهدين وتفرقهم في البلاد مما يتعذر معه جمع أقوالهم في وقت واحد بخلاف عصر الصحابة فالمجتهدون منهم معلومون بأسمائهم وأعيانهم وأماكنهم واجتماعهم لا سيما بعد وفاة النبي زمناً قليلاً ( الكلام هنا عن إمكان الاطلاع على الإجماع لا عن حجيته ) .
رابعاً : حجية الإجماع :
أكثر المذاهب الإسلامية ترى حجية الإجماع الشرعي ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج والإمامية من الشيعة وطائفة من المرجئة والنظام المعتزلي كما سيأتي إن شاء الله .
وقد قرر حجية الإجماع الأصوليون من أتباع المذاهب الأربعة وهذه نماذج من أقوالهم :
المذهب الحنفي :
قال أبو بكر الرازي ( الجصاص ) : ( اتفق الفقهاء على صحة إجماع الصدر الأول وأنه حجة الله لا يسع من يجيء بعدهم خلافه ، وهو مذهب جلِّ المتكلمين )
وقال السرخسي : ( اعلم أن إجماع هذه الأمة موجب للعلم قطعاً كرامةً لهم على الدين )
وقال : ( اجتماع هذه الأمة حجةٌ شرعاً كرامةً لهم على الدين )
المذهب المالكي :
- قال القرافي : ( وهو حجة عند الكافة )
- وقال ابن جزي الغرناطي في تقريب الوصول : ( والإجماع حجة عند الجمهور )
المذهب الشافعي :
- قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني في البرهان : ( ما ذهب إليه الفرق المعتبرون من أهل المذاهب أن الإجماع في السمعيات حجة )
- وقال الشيرازي : ( وهو حجةٌ من حجج الشرع ودليلٌ من أدلة الأحكام مقطوعٌ على مغيبه )
- وقال الفخر الرازي في المحصول : ( إجماع أمه محمد حجة خلافاً للنظام والشيعة والخوارج )
- وقال الآمدي في الإحكام : ( اتفق أكثر المسلمين على أن الإجماع حجة شرعية يجب العمل به على كل مسلم وخالف في ذلك الشيعة والخوارج والنظام )
المذهب الحنبلي :
- قال القاضي أبو يعلى : ( الإجماع حجةٌ مقطوعٌ عليها ، يجب المصير إليها ، وتحرم مخالفته )
- وقال ابن قدامة في روضة الناظر : ( والإجماع حجة قاطعة عند الجمهور )
إذا علم هذا فإن أكثر أهل العلم ذهبوا إلى حجية الإجماع خلافاً للنظام من المعتزلة والخوارج والإمامية من الشيعة وطائفة من المرجئة .
وقد استدل الأكثر لحجية الإجماع بالكتاب والسنة :
أ / أدلة الكتاب :
1 – قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً دلت هذه الآية على حجية الإجماع من وجهين :
الوجه الأول : من قوله : وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً حيث وصفهم بأنهم ، وسط والوسط في اللغة العدول الخيار وفي هذا تزكية لهم ، والعدول الخيار لا يتفقون على باطل .
الوجه الثاني : من قوله : لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً حيث نصبهم الله شهوداً وقبل شهادتهم على غيرهم وجعلهم حجة على الناس في قبول أقوالهم كما جعل الرسول حجة علينا في قبول قوله علينا .
2 – قوله تعالى : واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا
ووجه الاستدلال : أنه تعالى نهى عن التفرق ، ومخالفة الإجماع تفرق فكان منهياً عنه ، ولا معنى لكون الإجماع حجةً سوى النهي عن مخالفته .
3 – قوله تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر
وجه الاستدلال : أنه تعالى أخبر أن هذه الأمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر و ( أل ) في المعروف والمنكر تقتضي الاستغراق أي أنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر فإذا أمروا بشيء فلا بد أن يكون معروفاً وإذا نهوا عن شيء فلا بد أن يكون منكراً ، وإذا كانوا بهذا الوصف فإنه يجب قبول قولهم وهذا هو معنى حجية الإجماع .
4 – قوله تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولَّى ونصله جهنَّم وساءت مصيراً
وجه الاستدلال : أنه تعالى توعد على متابعة غير سبيل المؤمنين وهو إجماعهم بالوعيد الشديد وقرن ذلك بمشاقة الرسول ، ولو لم يكن ذلك محرماً لما توعد عليه ولما حسن الجمع بينه وبين المحرم من مشاقة الرسول في التوعد .
وهذه الآية استدل بها الإمام الشافعي _ رحمه الله _ في إثبات حجية الإجماع وهو أول من استدلَّ بها .
5 – قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول
وجه الاستدلال : أنه تعالى أمر بالرد إلى الكتاب والسنة في حال التنازع فيفهم منه أنه إذا لم يوجد التنازع فالاتفاق على الحكم كافٍ ، فالآية دلت على حجية الإجماع بالمفهوم .
6 – قوله تعالى : وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله
وجه الاستدلال : أنه تعالى أمر بالرجوع إلى حكمه عند الاختلاف فيفهم منه أنه إذا لم يوجد خلاف فالاتفاق على الحكم كافٍ ، فالآية دلت على حجية الإجماع بالمفهوم أيضاً كالآية السابقة .
ب / أدلة السنة :
تعتبر أدلة السنة أقوى مسلكاً وأكثر صراحةً لإثبات حجية الإجماع عند كثيرٍ من الأصوليين وقد تنوعت أدلة السنة في تقرير حجية الإجماع ويمكن تقسيمها ثلاثة أقسام :
القسم الأول : الأحاديث التي جاءت تنفي وقوع الأمة في الخطأ وتثبت العصمة لها ومن ذلك قوله : " لا تجتمع أمتي على ضلالة " ( رواه أحمد والطبراني في الكبير وابن أبي خيثمة في تاريخه عن أبي نضرة الغفاري بلفظ : " سألت ربي أن لا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها " وفيه راوٍ لم يسمَّ ، ورواه أبو داود والطبراني في الكبير وابن أبي عاصم في السنة عن أبي مالك الأشعري بلفظ : " إن الله أجاركم من ثلاث خلال أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعاً ، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق وأن لا تجتمعوا على ضلالة " ، ورواه أبو عمرو الداني في الفتن من حديث أبي هريرة وفيه يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب وهو متروك ، ورواه أبو نعيم والحاكم في المستدرك عن ابن عمر رفعه بلفظ : " إن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة أبدا،ً وإن يد الله مع الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم فإن من شذَّ شذَّ في النار " . وكذا هو عند الترمذي لكن بلفظ " أمتي " وفي إسناده اضطراب أشار إليه الحاكم في المستدرك ، ورواه ابن ماجه وابن عدي في الكامل عن أنس رفعه بلفظ : " إن أمتي لا تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم " وهو ضعيف جداً في إسناده أبو خلف الأعمى واسمه حازم بن عطاء متروك واتهمه ابن معين بالكذب ، وفيه معان بن رفاعة ضعيف أيضاً ورواه الحاكم عن ابن عباس رفعه بلفظ : " لا يجمع الله هذه الأمة على ضلالة ويد الله مع الجماعة " ورواه الدارمي عن عمرو بن قيس مرفوعاً بلفظ :" إن الله أدرك بي الأجل المرحوم واختصر لي اختصاراً فنحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة، وأني قائل قولاً غير فخر إبراهيم خليل الله ، وموسى صفي الله ، وأنا حبيب الله ، ومعي لواء الحمد يوم القيامة وان الله عز وجل وعدني في أمتي وأجارهم من ثلاث لا يعمهم بسنة ولا يستأصلهم عدو ولا يجمعهم على ضلالة " وهو منقطع وفي إسناده عبد الله بن صالح ضعيف ، فالحديث لا يخلو طريق من طرقه من مقال كما قال غير واحد من المحدثين )
وجه الاستدلال : أن عمومه ينفي وجود الضلالة ، والخطأ ضلالة فلا يجوز الإجماع عليه فيكون ما أجمعوا عليه حقاً
القسم الثاني : الأحاديث التي جاءت تأمر بلزوم الجماعة ومن ذلك :
1 – حديث ابن عباس _ رضي الله عنهما _ أن النبي قال : " من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية " متفق عليه .
2 - عن أبي ذر قال : قال رسول الله : " من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه " أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم ، وروي نحوه من حديث الحارث الأشعري عند الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم ، ومن حديث ابن عباس _ رضي الله عنهما _ عند البزار والطبراني في الأوسط وفي سنده خليد بن دعلج وفيه مقال .
3 – حديث ابن مسعود عن النبي قال : " نضَّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغلّ عليهن قلب مسلم : إخلاص العلم لله ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم فإن الدعوة تحيط من ورائهم " أخرجه الترمذي ورواه ابن ماجه من حديث زيد بن ثابت ورواه أحمد من حديث أنس بن مالك وأخرجه أحمد والدارمي وابن حبان والحاكم من حديث جبير بن مطعم وفي إسناده ضعف ، وأخرجه الدارمي من حديث أبي الدرداء وفي إسناده ضعف ( وقد جمع أبو عمرو المديني الأصبهاني رسالة في حديث " نضَّر الله " فذكره عن ابن مسعود وزيد بن ثابت وجبير بن مطعم وأبي الدرداء وأبي سعيد الخدري ومعاذ بن جبل وبشير بن سعد والنعمان بن بشير وشيبة بن عثمان رضي الله عنهم )
وجه الاستدلال من هذه الأحاديث وما في معناها :
أن النبي ينهى في هذه الأحاديث عن مفارقة الجماعة ، ويأمر بلزوم جماعة المسلمين والمراد ما يقول به جماعتهم ، وما تتفق عليه كلمتهم ، وليس المراد به لزوم أبدانهم فالمسلمون متفرقون في مشارق الأرض ومغاربها .
القسم الثالث : الأحاديث التي جاءت تبين أن الحق ملازم للجما
تعريفــــه:
الإجماع في اللغة الاتفاق، يقال: أجمعوا على الأمر اتفقوا عليه (المصباح المنير مادة جمع، والتلويح على التوضيح 2/41.)
وهو في اصطلاح الأصوليين: (اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر على حكم شرعي).
تحليل التعريــف:
اتفـاق: معناه الاشتراك في الاعتقاد أو القول أو الفعل، لأن ذلك كله من الإجماع، فلا يكون الإجماع خاصا بالقول فقط.
المجتهديـن: فيه إخراج من لم يبلغ درجة الاجتهاد من العلماء، أو عوام الناس، فإنه لا عبرة بإجماعهم، وقد عرف باللام وهي للاستغراق هنا احترازا عن اتفاق بعض مجتهدي عصر من العصور، فإنه ليس إجماعا عند الجمهور كما سيأتي، خلافا لبعض العلماء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيه احتراز عن اتفاق مجتهدي الشرائع الأخرى السابقة. فإنه ليس إجماعا عندنا (أن الإجماع من خواص هذه الأمة كما سيأتي تكريما لها ورفعا لشأنها.
في عصــر: معناه في زمان ما، قل العدد أو كثر، تنكيره احترازا عن سبق الذهن إلى أن الإجماع هو إجماع كل المجتهدين في كل العصور إلى آخر الزمان، لأن الإجماع يجب فيه ذلك، بل إجماع المجتهدين في عصر واحد يكفي.
على حكم شرعي: هذا قيد يخرج به ما ليس حكما، وما كان حكما غير شرعي، فإن الإجماع في ذلك ليس حجة عند الجمهور، وقد أطلق بعض العلماء التعريف ولم يذكر هذا القيد ومنهم ابن الحاجب حيث قال: (على أمر) ليشمل الشرعي وغيره، فيدخل في ذلك وجوب اتباع آراء المجتهدين في أمر الحروب ونحوها مما لا يدخل في نطاق الحكم الشرعي، ولكن يجاب عن هذا الإطلاق بأن من ترك اتباع هذا الإجماع الأخير إن كان يأثم في تركه، فهو إجماع على حكم شرعي يدخل في نطاق الإجماع بهذا القيد، وإن كان لا يأثم في ترك هذا الإجماع فهذا معناه أن ذلك ليس من الإجماع الملزم، فلا مانع أن يكون من الواجب إخراجه من التعريف.
__________________
تعريف الإجماع
الكاتب: أ . / أيمن بدوي السكندري
الإجماع نوع من أنواع الاجتهاد لأن الاجتهاد׃ ¬إما فردى وهو القياس أو جماعي وهو الإجماع ــ فالاجتهاد الفردي ׃ كل اجتهاد لم يحصل اتفاق المجتهدين في على رأى المسالة ــ والاجتهاد الجماعي ׃ كل اجتهاد اتفق المجتهدون على رأى في المسالة
تعريف الإجماع ׃
هو في ا للغة يطلق علي معنيين:
أحدهما: العزم والتصميم على الأمر,يقال : أجمع فلان علي الأمر، أي عزم عليه . ومنه قوله تعالي (فاجمعوا أمركم وشركائكم ) .
وقوله- صلى الله عليه وسلم ـ " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " . "
و الثاني : الاتفاق . و قولهم :اجمع القوم على كذا :إذا اتفقوا عليه.
والفرق بين المعنيين أن الإجماع بالمعنى الأول يتصور من واحد وتعدد وبالمعنى الثاني لا يتصور من الواحد بمفرده .
تعريف الإجماع عند الأصوليين :
اتفاق جميع المجتهدين من امة محمد _ صلى الله عليه وسلم – في عصر من العصور ,على حكم شرعي اجتهادي بعد وفاة الرسول _صلى الله عليه وسلم _
شرح التعريف :
المراد بالتعريف: الاشتراك في الاعتقاد أو القول أو الفعل .
والمقصود بالمجتهدين : من بلغوا درجة الاجتهاد فلا عبرة بموافقة غير المجتهدين أو مخالفته ,وذلك لعجزهم عن الاستدلال والنظر وعلى هذا إذا خلا العصر عن المجتهدين لم يتحقق أجماع شرعي إما إذا وجد عدد منهم في إي عصر فالإجماع ينعقد عند الجمهور مهما كان عددهم
والشرط في الإجماع عند أكثر العلماء اتفاق جميع المجتهدين فلو خالف واحد منهم لن ينعقد الإجماع ــ لان الحق يحتمل أن يكون في جانب المخالف فلا يكون الاتفاق من أكثر حجة مع هذا الاحتمال ،وعن أحمد في إحدى الروايتين عنه عدد المخالفين حد التواتر .
يطلق الحنفية الإجماع السكوتى على اتفاق فريق من المجتهدين على حكم شرعي مع سقوط الباقين مدة التأمل من غير عذر .
وتقييد الإجماع بصدوره من مجتهدى أمة محمد _ صلى الله عليه وسلم _ يفيد أن إجماع أهل الأديان الأخرى ليس حجة شرعية , وأنه لا يعتد بقبول المبتدع بما يفكر , لأنه غير مندرج في الأمة المحمدية , وغير مؤتمن على شئونها .
وكذلك تقييد الاتفاق من المذكورين لكونه في عصر من العصور , لإفادة انه لا يشترط اتفاقهم في جميع العصور , وإلا لم يتحقق إجماع أصلا , كما انه يفيد أن الإجماع لا يتقيد لكونه إجماع الصحابة , كما قال بذلك الظاهرية واحمد في إحدى الروايتين لتعذر وقوعه بعد عصرهم.
وإنما كان اتفاق المجتهدين بعد وفاة الرسول لأنه لا وجود للإجماع في حياة الرسول ,لان الرسول إما أن يوافق المجمعين أو يخالفهم , فان وافقهم على الحكم الذي اجمع عليه الصحابة ثبت الحكم بالسنة لا الإجماع , وان خالفهم لا عبرة باتفاقهم ولا يكون إجماعا فلا يثبت به حكم , فلا تحقق الإجماع في عصر الرسول للاستغناء عنه بالوحي في زمن النبوة .
والتقييد بكون الإجماع محله الحكم الشرعي دون الحكم العقلي , والعادي أو اللغوي , لان الاتفاق على ذلك لا يعد إجماعا شرعيا .
واشترط في الإجماع أن يكون الحكم حكم شرعيا اجتهاديا , لأنه لا يعد إجماعا اتفاقهم على الحكم الذي لا محالة للاجتهاد في , والذي لا يدرك بالعقل والرأي , كالمقدرات الشرعية ,لأن سنده هو الدليل السمعي ــــ وكذلك كل حكم شرعي ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة لا يكون محل للإجماع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اجماع العلماء الفقهاء
ونعني بالحادثة: الحادثة الشرعية، وإجماع هذه الأمة حجة دون غيرها لقوله -صلى الله عليه وسلم- لا تجتمع أمتي على ضلالة والشرع ورد بعصمة هذه الأمة، والإجماع حجة على العصر الثاني وفي أي عصر كان، ولا يشترط انقراض العصر على الصحيح، فإذا قلنا: انقراض العصر شرط؛ فيعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه وصار من أهل الاجتهاد، ولهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم والإجماع يصح بقولهم وبفعلهم وبقول البعض وبفعل البعض وانتشار ذلك وسكوت الباقين عنه.
قول الصحابي.
وقول الواحد من الصحابة ليس بحجة على غيره على القول الجديد.
الأخبار: وأما الأخبار فالخبر ما يدخله الصدق والكذب، والخبر ينقسم إلى قسمين: آحاد ومتواتر.
فالمتواتر: ما يوجب العلم وهو أن يروي جماعة لا يقع التواطؤعلى الكذب من مثلهم إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه ويكون في الأصل عن مشاهدة أو سماع لا عن اجتهاد.
والآحاد هو: الذي يوجب العمل، ولا يوجب العلم. وينقسم إلى: مرسل ومسند:
فالمسند: ما اتصل إسناده.
والمرسل: ما لم يتصل إسناده.
فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة إلا مراسيل سعيد بن المسيب فإنها فتشت ووجدت كما هي.
والعنعنة تدخل على الإسناد، وإذا قرأ الشيخ .. أن يقول حدثني وأخبرني، وإن قرأ هو عن الشيخ يقول: أخبرني. ولا يقول: حدثني. وإن أجازه الشيخ من غير قراءة فيقول: أجازني، أو أخبرني إجازة.
القياس.
وأما القياس فهو: رد الفرع إلى الأصل بعلة تجمعهما في الحكم. وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إلى قياس علة، وقياس دلالة، وقياس شبه.
فقياس العلة: ما كانت العلة فيه موجبة للحكم.
وقياس الدلالة هو: الاستدلال بأحد النظيرين على الآخر، وهو أن تكون العلة دالة على الحكم، ولا تكون موجبة للحكم.
وقياس الشبه هو: الفرع المتردد بين أصلين، فيلحق بأكثرهما شبها.
ومن شرط الفرع أن يكون مناسباً للأصل.
ومن شرط الأصل أن يكون ثابتاً بدليل متفق عليه بين الخصمين.
ومن شرط العلة أن تطرد في معلولاتها، فلا تنتقض لفظاً ولا معنى.
ومن شرط الحكم أن يكون مثل العلة في النفي والإثبات. والعلة هي الجالبة للحكم والحكم هو المجلوب للعلة.
--------------------------------------------------------------------------------
ذكر العلماء أن الأدلة في الأصل الكتاب والسنة، متفق على أنهما دليلان وقد ورد حديث عن معاذ لما أرسله النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كيف تقضي؟ قال: بكتاب الله. فقال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأي. فقال: الحمد الله الذي وفق رسول رسول الله إلى ما يرضي رسول الله فبدأ بالقرآن ثم بالسنة ثم الاجتهاد وذلك هو القياس.
اتفقوا على أن الإجماع حجة، الإجماع هو: إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- على حكم من الأحكام، ولا يكون فيهم مخالف. أو إجماع التابعين كلهم واتفاقهم ولا يوجد بينهم خلاف، أو إجماع تابعي التابعين يعني: أهل القرن الثالث ولا يوجد من يخالف فيهم.
فاتفاق الأمة واجتماعها على حكم من الأحكام يسمى إجماعا؛ لاجتماع الأمة عليه، فيعرف بأنه اتفاق علماء العصر على حكم الحادثة، ولا يعتبر خلاف العامة لأن العبرة إنما هو بالعلماء الذين عندهم معرفة، فأما العوام إذا خالفوا أو أنكروا فلا يلتفت إلى إنكارهم؛ بل الأصل أن القول إنما هو قول العلماء، وكذلك أيضا قد لا يلتفت إلى خلاف شاذ كانفراد واحد بالخلاف، في إنكار أمر من الأمور المشروعة أو الجائزة، أو المعمول بها فالخلاف الشاذ لا يلتفت إليه؛ ولأجل ذلك لم يلتفت العلماء إلى خلافات الظاهرية كابن حزم فإنها متكلفة، ولو كان عنده اطلاع على الأدلة، عنده قدرة على الاحتجاج؛ ولكن له أقوال خالف فيها أقوال جماهير الأمة، كذلك يوجد بعض الخلاف من بعض الشذاذ لم يلتفتوا إليه، خالف بعض العلماء –مثلا- واحد ذكروا عنه أنه لم يبح بيع السلم، وعلل بأنه بيع لشيء مجهول، ولم يبح ..، وبيعه لأنه مال للغير، ولم يبح القرض لأنه تملك لمال الغير، ولم يبح الحوالة؛ لأنها تغرير لإرسال المال مع غير موثوق أو نحو ذلك، لم يلتفت العلماء على خلاف مثل هذا؛ بل جعلوا إجماع واتفاق أهل العصر خاصهم وعامهم –جعلوه- حجة.
يقول: من المراد بالعلماء؟ هم الفقهاء. يعني: الذين عندهم فقه، قد تقدم أن الفقه: معرفة الأحكام التي طريقها الاجتهاد.
ما المراد بالحادثة؟ أي: أمر يحتاج إلى الفتوى فيه -فتوى شرعية- حادثة تحتاج إلى فتوى كصفة طلاق –مثلا- أو صفة نكاح أو صفة نفقة يعني: كيف يكون فيها أو شرط من الشروط في البيع، أو من الشروط في النكاح أو ما أشبه ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإجماع في الفقه
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإجماع عرفه العلماء بعدة تعاريف وفيها اختلاف يسير ولعل من أخصرها وأشملها أنه: اتفاق جميع العلماء المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في أي عصر من العصور على أمر ديني.
فخرج بإضافة الاتفاق إلى جميع العلماء المجتهدين المتعلم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد فضلا عن العامي ومن في حكمه، فلا عبرة بخلافهم ولا بوفاقهم، كما خرج أيضاً الاتفاق الحاصل من بعض المجتهدين دون بعض. والمراد بالتقييد بما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بيان بدء الوقت الذي يوجد فيه الإجماع،
أما زمن حياته فلا يعتد فيه بالإجماع لأنه زمن نزول الوحي، فالمرد في الإحكام فيه إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد بقول المعرف: في أي عصر من العصور التنبيه إلى اعتبار الإجماع في أي عصر وجد بعد زمن النبوة سواء في ذلك عصر الصحابة وغيرهم خلافاً لمن خصه بعصر الصحابة كداود الظاهري ومن وافقه.
وهو حجة عند الجمهور، وخالف في ذلك الشيعة والخوارج والنظام.
وينقسم إلى قسمين:
1/ إجماع قولي فعلي.
2/ إجماع سكوتي.
فالأول: أن يصرح كل فرد بقوله في الحكم المجمع عليه، أو يفعله فيدل فعله إياه على جوازه عنده، وهذا النوع من الإجماع لا خلاف في حجيته عند القائلين بثبوت الإجماع.
الثاني من قسمي الإجماع: أن يحصل القول والفعل من البعض وينتشر ذلك عنهم، ويسكت الباقون عن القول به ولا ينكروا على من حصل منه، ومن أمثلته العول فقد حكم به عمر رضي الله عنه بمشورة بعض الصحابة وسكت باقيهم.
وهذا القسم مختلف فيه، فقال قوم: إنه إجماع لا يسوغ العدول عنه، وقال قوم: إنه ليس بإجماع ولا حجة، وقال آخرون: إنه حجة وليس بإجماع. ولكل منهم دليل على ما قال. ثم إن الجمهور من العلماء قالوا بانعقاد الإجماع من وقت حصوله، ولا يشترط عندهم انقراض عصر المجمعين، فلا يسوغ لأحد الرجوع عن رأيه الموافق للإجماع، على قول الجمهور.
والله أعلم.
الإجماع في الفقه
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإجماع عرفه العلماء بعدة تعاريف وفيها اختلاف يسير ولعل من أخصرها وأشملها أنه:
اتفاق جميع العلماء المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في أي عصر من العصور على أمر ديني.
فخرج بإضافة الاتفاق إلى جميع العلماء المجتهدين المتعلم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد فضلا عن العامي ومن في حكمه، فلا عبرة بخلافهم ولا بوفاقهم، كما خرج أيضاً الاتفاق الحاصل من بعض المجتهدين دون بعض. والمراد بالتقييد بما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بيان بدء الوقت الذي يوجد فيه الإجماع،
أما زمن حياته فلا يعتد فيه بالإجماع لأنه زمن نزول الوحي، فالمرد في الإحكام فيه إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد بقول المعرف: في أي عصر من العصور التنبيه إلى اعتبار الإجماع في أي عصر وجد بعد زمن النبوة سواء في ذلك عصر الصحابة وغيرهم خلافاً لمن خصه بعصر الصحابة كداود الظاهري ومن وافقه.
وهو حجة عند الجمهور، وخالف في ذلك الشيعة والخوارج والنظام.
وينقسم إلى قسمين:
1/ إجماع قولي فعلي.
2/ إجماع سكوتي.
فالأول: أن يصرح كل فرد بقوله في الحكم المجمع عليه، أو يفعله فيدل فعله إياه على جوازه عنده، وهذا النوع من الإجماع لا خلاف في حجيته عند القائلين بثبوت الإجماع.
الثاني من قسمي الإجماع: أن يحصل القول والفعل من البعض وينتشر ذلك عنهم، ويسكت الباقون عن القول به ولا ينكروا على من حصل منه، ومن أمثلته العول فقد حكم به عمر رضي الله عنه بمشورة بعض الصحابة وسكت باقيهم.
وهذا القسم مختلف فيه، فقال قوم: إنه إجماع لا يسوغ العدول عنه، وقال قوم: إنه ليس بإجماع ولا حجة، وقال آخرون: إنه حجة وليس بإجماع. ولكل منهم دليل على ما قال. ثم إن الجمهور من العلماء قالوا بانعقاد الإجماع من وقت حصوله، ولا يشترط عندهم انقراض عصر المجمعين، فلا يسوغ لأحد الرجوع عن رأيه الموافق للإجماع، على قول الجمهور.
والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصطلح الإجماع
إشكالية المفهوم بين المثالية و الواقعية
عرض و تلخيص
نشرت مجلة إسلامية المعرفة في العدد الحادي و العشرون مقالاً مـسهباً للدكتور قطب سانو تحت عنوان " في مصطلح الإجماع الأصولي " تعرض فيه لبيان مفهوم الإجماع و تاريخ نشأة و تطور هذا المفهوم .
وقد وجدت أسرة " الرشاد " في هذا المقال محاولة أصيلة في تجديد و تفعيل هذا المفهوم و إعادته إلى دوره الذي كان يؤديه في عصر النبوة و عصر الخلفاء الراشديـن، فأحبت أن تشارك الأخوة القراء هذا الطرح المقاصدي المتميز .
يعدُ الإجماع عند جمهور علماء المسلمين أحد مصادر التشريع و يلي السنة عندهم في الترتيب . فالمجتهد الباحث عن حكم الله في حادثة أو نازلة يرجع إلى القرآن و السنة فإن لم يعثر على حكم فيهما فإنه يلوذ بالإجماع للتعرف على حكم الله في تلك النازلة . و إنكار الإجماع بعد ثبوته يُخرج المنكِر من المـلة و هو عند أكثر الأصوليين حجة قطعية و ينسب إلى البدعة أو الضلال أو الكفر من خالفه أو أنكره .
و نظراً لهذه المكانة العالية للفكرة الإجماعية في الفكر الأصولي فإن هناك حاجة ماسّة لتحقيق القول في مصطلح الإجماع و تحديد موقعه من ثنائية المثالية و الواقعية في الفكر الإسلامي . و هناك أيضاً أهمية علمية للقيام بمراجعة نقدية للمعاني التاريخية و الحمولات الفكرية التي حمـّل بها هذا المصطلح عبر تاريخ الفكر الأصولي . و تهدف هذه الدراسة إلى التوصل إلى ضبط علمي و منهجي محكم لمفهوم مصطلح الإجماع و مجالات توظيفه ليغدو بذلك مصطلحاً ذا معنى واقعي و مؤثر في توجيه حركة الحياة وفق المنهج المراد لله تعالى على مستوى الفرد و على مستوى الأمة .
إن القناعة بأن نشأة مصطلح الإجماع يعود إلى العصر الراشدي على أقصى تقدير تحتاج إلى إعادة النظر إذ أنها تتضمن إسقاطاً تاريخياً لمضمون متأخر محدَث على مصطلح علمي قديم. فمفهوم الإجماع في عصر الرسالة يجب أن لا يتضمن المعاني التي أعطاها إياه العلماء في العصور اللاحقة ، كما أن مفهومه في عصر الخلفاء الراشدين يجب أن لا يكون تبعاً لما آل إليه الأمر في العصور اللاحقة بذلك العصر . و من ثمَّ فإن الإحتكام إلى المعاني الجديدة المستحدثة للمصطلح و اتخاذ تلك المعاني أساساً للحكم على مدى وجود المصطلح و عدمه لا يعدو أن يكون إسقاطاً لا يقبله البحث العلمي النـزيه .
و إذا أردنا البحث عن تاريخ نشأة مصطلح الإجماع فتحسن البداية بمعرفة المعنى اللغوي لهذا المصطلح و هو الوصول إلى إتفاق ناتج عن تشاور أهل العلم و المعرفة و الدراية في قضية أو نازلة من النوازل . و انطلاقاً من هذا المعنى فيمكننا أن نقرر أن مصطلح الإجماع بهذا المعنى كان مستعملاً في عهد النبي الكريم صلى الله عليه و سلم .
فنصوص القرآن و السنة تقرر بشكل جلي المنهج الجماعي الذي كان الرسول الكريم يتبعه في التعامل مع النوازل العامة . فإن من المتواتر عنه أنه كان يدعو – الصلاة جامعة – ليحاور الصحابة في النوازل و المستجدات التي كانت تداهم حياة الجماعة المسلمة في المدينة . فالفكرة الإجماعية كانت موجودة في عصر الرسالة و تتمثل في العلاقة بين الشورى و الإجماع . فالشورى هي مقدمة ضرورية للإجماع حيث لا إجماع بلا شورى و الإجماع في الوقت نفسه هو إحدى نتائج الشورى و ذلك عندما يكون هناك اتفاق بين المتشاورين حول المسألة موضوع التشاور .
إن مصطلح الإجماع بمشتقاته اللغوية التي انبثقت منها المعاني الإصطلاحية فيما بعد، كان موجوداً و مستعملاً في عصر الرسالة ، و لكنه لم يتم استخدامه في ذلك العصر كمصطلح علمي ينصوي تحت فن من الفنون ، بل كانت فكرة الإجماع تتمثل في تشاور أهل المعرفة و الرأي و رجال القيادة و الحكم في نازلة من النوازل التي تعم فيها البلوى و تمس حياة المجتمع و ذلك بغية الصدور عن رأي جامع في تلك النازلة . فنشأة الفكرة الإجماعية ارتبطت بنشأة الجماعة الإسلامية كـكيان سياسي متميز بالمدينة المنورة يوم قامت للمسلمين دولة في يثرب .
و قد تمثلت فكرة الإجماع في تبني المنهج الجماعي في القضايا و النوازل و المستجدات التي تعم فيها البلوى و تشمل جميع أفراد الأمة حديثة التكوين . و كان لهذا الإجماع دور كبير في الإستقرار و الأمن الذي طبع سياسة الأمة في تلك الفترة . فعموم الأمة كانت تتحمل تبعة الرأي الجماعي الذي يشكله أهل الشأن و الدراية بموضوع الإجماع .
و في عصر الخلفاء الراشدين كان منهج الخلفاء و الصحب امتداداً للمنهج النبوي في معالجة الأزمات و النوازل و كان منهجهم انعكاساً للتربية النبوية التي ربى النبي الكريم أصحابه عليها خلال سنوات البعثة .
فكانت سياسة الصدّيق أبو بكر في مواجهة الأحداث و النوازل أن يجمع الصحابة و يستشير أعيانهم و أولي الأحلام منهم ثمّ الصدور عن الرأي الذي يتوصل إليه أهل العلم و المعرفة و الدراية . و أما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فإن منهجه في معالجة النوازل العامة هو ما أكده الإمام أبو عبيدة في كتاب " القضـاء " عندما قال : و كان عمر يفعل ذلك – أي مثلما كان يفعل أبو بكر – فإذا أعياه أن يجد ذلك في الكتاب و السنة ، سأل : هل كان أبو بكر قضى فيه بقضاء ؟ فإن كان فيه لأبي بكر قضاء قضى به و إلا جمع الناس و استشارهم فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به .
و قد نقل الإمام الدارمي في مسنده عن المسيب بن رافع واصفاً المنهج الجماعي الذي كان الصحب الكرام ينتهجونه في التصدي للنوازل العامة ، و قال ما نصّه : كانوا إذا نزلت بهم قضية ليس فيها من رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر ، اجتمعوا لها و أجمعوا ، فالحقّ فيما رأوا .
و على هذا يمكن القول بأن مفهوم الإجماع في هذا العصر لم يشهد تغييراً ذا بال على مستوى المحتوى و المنهج و لكنه شهد تويعاً في استخدامه و توظيفه في سائر النوازل و الحوادث التي داهمت الحياة الإسلامية في ذلك العصر و ذلك نتيجة تنوع و تتابع الأزمات و النوازل على الساحة الإسلامية .
على أن الجدير بالذكر و التقدير أن الصحب الكرام ظلوا محافظين على استخدام هذه الوسيلة في القضايا و الشؤون التي تعم فيها البلوى و لم يستجرّوه للفصل في القضايا الخاصة . و لعل تكثيف استخدام الإجماع في هذا العصر هو الذي دفع الكاتبين في تاريخ نشأة الفكرة الإجماعية إلى اعتبار العصر الراشدي هو العصر الذي ظهر فيه هذا المصطلح ، و الحال أن معنى المصطلح و محتواه كان موجوداً و حاضراً و فاعلاً في حياة الأمة في عصر الرسالة على مستوى توجيه النوازل السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية التي تنزل بالمسلمين آنذاك . و قد حان الأوان لأن يعاد النظر فيما تصر المدونات الأصولية عليه من اعتبار الفكرة الإجماعية فكرةً ناشئة في العصر الراشدي ، كما أنه من الجدير بالمراجعة و التجاوز رأي الذين حصروا مصدرية الإجماع في العصر الراشدي دون سواه من العصور اللاحقة و السابقة .
و نظرة متفحصة في المنهج الذي كان يتبعه خلفاء بني أمية و خلفاء بني العباس في التصدي للنوازل و الحوادث العامة خلال سني حكمهم تهدينا إلى القول بأن الإجماع أخذ يتراجع و يغيب كوسيلة لمواجهة الأزمات و أصبح أهل العلم و الدراية و المعرفة في ذلك العصر في واد و رجال الحكم و السياسة و القيادة في زاد آخر و غدا ثمـّة فصام نكد و قطيعة عميقة بين رجال السيف و الحكم و أهل القلم و العلم . و هنا لا بد من تسجيل التحول و التغير الذي حدث لمفهوم مصطلح الإجماع من جهة ، و مجالات توظيفه و استخدامه من جهة أخرى .
فبعد أن كان الإجماع ينصبُّ على القرار الذي تتوصل إليه جماعة أهل الرأي و العلم و الدراية مع رجال الحكم و القيادة في التصدي للنوازل و الحوادث التي تعم الجماعة و الأمة ، غدا هذا المفهوم غير مستقر و لا معتبر . فقد تمّ استبعاد دور رجال القيادة السياسية في تصور الإجماع عند جماعة العلماء ، و كذلك فقد استبعد رجال القيادة السياسية العلماء في قراراتهم و مداولاتهم . و هكذا فإن القار الذي يتوصل إليه أيٌّ من الفريقين ما كان له أن يوصف بأنه رأي الجماعة ، الأمر الذي يعني في نهاية المطاف تعذر انعقاد إجماع في أيـة نازلة من النوازل .
و من جهة أخرى فإن مجالات توظيف و استخدام فكرة الإجماع تغيرت و توسعت و أصبحت يقحم بها في جميع المسائل و القضايا بغض النظر عن كونها مسائل عامة أو مسائل خاصـة . و تمّ استدعاء مفهوم الإجماع للمصادقة على أحكام مسائل وردت فيها نصوص من القرآن و السنـة حتى المتواتر منها في كل صغيرة و كبيرة تحولاً عن سيرة الرعيل الأول من الأصحاب في توظيف فكرة الإجماع للإسهام في معالجة الأزمات المتجددة و النوازل العامة الطارئة .
و أصاب مفهوم الإجماع تحول آخر إذ أصبح يعني موافقة جميع أهل العلم دون مخالفة أحد منهم ، بحيث إذا كان لأحد العلماء رأي مخالف لرأي الجماعة فإن الرأي الذي يتوصل إليه الغالبية لا يعـدُّ إجماعاً ملزماً و ذلك على العجميل لما كان عليه الأمر في عصر النبي صلى الله عليه و سلم و عصر الخلفاء الراشدين حيث كان يـُكتفى لإنعقاد الإجماع بالرأي الذي ترجحه الغالبية و السواد الأعظم و يتم إعتماده رأياً للجماعة تتحرك بموجبه تأكيداً لوحدة الكلمة و التوجه . أما الآراء التي أدلى بها المتحاورون عند التداول و التشاور بين أفراد أهل العلم و المعرفة ، فيتم التنازل عنها – عملياً – من أجل رأي الأغلبية .
أضف إلى هذا أن القرار الإجماعي في عصر الرسالة و عصر الخلفاء الراشدين كان يتشكل من جماعة أهل العلم و المعرفة و الدراية في المنطقة التي تنزل بها النازلة ، و لم يـُؤثر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه بعث أحداً إثر العالمين من الصحابة القاطنين في أماكن أخرى للمشاركة في اتخاذ قرار الجماعة في النوازل التي كان يجمع لها الصحابة للتشاور و التحاور .
و لم يُؤثـَر كذلك عن الخلفاء الراشدين استدعاؤهم علماء الصحابة أو الولاة إلى المدينة للتشاور معهم و التحاور في النوازل التي اتخذوا فيها قرارات عرفت بعد ذلك بإجماعات الصحابة .
و هذا يعني أنه لم يكن ثـمّة توسع في اندراج عالمين خارج منطقة النازلة في عصر الرسالة و عصر الخلفاء الراشدين . و لكن هذا الحصر لدائرة الداخلين في تشكيل الإجماع تبدل و توسع حتى أصبح يشمل اندراج جماعة أهل العلم و المعرفة القاطنين في أرجاء الدولة الإسلامية بغض النظر عن كون النازلة عامة لجميع الأقطار أو خاصة لبعضها دون بعض .
و من هنا يمكن القول إن هذه التحولات في مفهوم الإجماع و مجالات استخدامه صيّرته مصطلحاً ذا مفهوم مثالي – غير واقعي – و غير فاعل و لا مؤثر في تشكيل رأي موحد في توجيه الأمة عند الأزمات و النوازل .
و لا تزال حالة مصطلح الإجماع على ما كانت عليه منذ عهد التدوين إلى يومنا هذا إذ ليس هناك تجديد في الموقف من المعاني المثالية التي نسجت حوله بعد عصر الخلفاء الراشدين . و على هذا فإن إعادة الواقعية و الفاعلية إلى مصطلح الإجماع تظل مرهونة بإعادته إلى سيرته الأولى وسيلة للتصدي للنوازل الفكرية و السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية التي تتجدد على الساحة يوماً بعد يوم ، للوصول إلى قرار جماعي – أغلبي - ينطوي على خير ما يعلمه أهل الدراية و المعرفة في الأمة ، و تجريده من المعاني المثالية التي نسجت حول مفهومه و المتأهلين له و مجالات توظيفه .
إن النقاشات التي تمتلئ بها بطون كتب الفقه و الأصول حول فكرة الإجماع تعريفاً و حجيـّة، و إمكانية وقوع أو عدمه ، و شروط المجمعين ، و حكم نسخ الإجماع بإجماع آخر ، و غير ذلك من المسائل التي لا نفتأ نرددها ليل نهار ، إن تلك المناقشات تغفل ما كان للظروف السياسية و الفكرية من تأثير في توليدها و لهذا فإنها تجنح إلى التكرار و لا تسهم في البحث عن الحلول العملية و عن البدائل للخروج من النظريات المثالية في تاريخنا الإسلامي . و لهذا لا بد من إعادة الوعي للمنهج النبوي في تسيير الشؤون العامة للأمة و منهج خلفائه الراشدين في اتباع تلك المنهجية في قضايا الأمة المصيرية بحيث تستبعد دعاوى الإجماع في أية قضية فردية لا تعم بها البلوى ، و يكتفى بالحديث عن الإجماع في المسائل المصيرية لعموم الأمة و جوداً و تنظيماً و تخطيطاً . أما مسائل الأفراد و قضاياهم الخاصة سواء وردت فيها نصوص أم لم ترد ، فليس من المقبول اقحام الإجماع في تلك القضايا بل تترك للعلماء لإبداء وجهة نظرهم فيها بما يتناسب مع مرونة الشريعة لإستيعاب اختلاف الأحوال و الأشخاص .
و يوم تعي القيادة السياسية في بلاد المسلمين هذا البعد الإجماعي في تدبير شؤون الأمة المصيرية و أحوالها العامة ، فإن استقراراً سياسياً و أمنياً سوف يعم الأرجاء فتنعم به البلاد و العباد .
و أخيراً فإن ما يصادفه المرء في كتب الفقه و الأصول و الفروع من دعاوى الإجماع على كثير من المسائل الإجتهادية لا يعدو أن يكون دعاوى لا نصيب لها من الحقيقة و المشروعية ، و من ثمّ فإن تجاوزها باجتهاد شرعي صحيح لا يترتب عليه تفسيق و لا تبديع أو تكفير ، و ذلك ترجيحاً للمقولة الذهبية التي رد بها الإمام أحمد – رحمه الله – على غلاة دعاة الإجماع في كل صغيرة و كبيرة من المسائل الإجتهادية " .. من ادعى الإجماع فهو كذاب ، لعل الناس قد اختلفوا ، ما يدريه ؟ و لم ينته إليه ، و لكن يقول : لا نعلم الناس اختلفوا .
و نأمل أن يكون في هذا التحليل الموضوعي لمعنى الإجماع تأصيل للتوجه الجماعي و نبذ الفردية في معالجة القضايا العامة . و نأمل كذلك أن لا يساء فهم هذا الطرح لمعنى الإجماع ليتخذ مسوغاً لطرح ما أجمع عليه علماء و مختصون في شأن من الشؤون قبل وضوح الحجة و قيام البينة على وجاهة الإنتقال من رأي إلى آخر لأسباب موضوعية واقعية و بعد استشارة و تداول يؤكد غياب الإرتجال و الإستعجال .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعريف الإجماع و بعض المسائل المتعلقة بالإجماع
تعريف الإجماع و بعض المسائل المتعلقة بالإجماع بشيء من الاختصار وليس ذلك بالطويل الممل ولا بالقصير المخل رجوت فيه النفع للإخوة الفضلاء بأبسط صورة ليتمكن من فهمه المبتديء فارجو أن يحصل المقصود بذلك والله الموفق .
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
أولاً : تعريف الإجماع لغةً واصطلاحاً :
وهو في اللغة يرد لثلاث معان :
أحدها : العزم على الشيء والتصميم عليه ذكره الجميلائي والفراء وغيرهما ، ومنه قولهم : أجمع فلان على كذا إذا عزم عليه ومنه قوله تعالى : فأجمعوا أمركم : أي اعزموا وبقوله عليه السلام : " لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل " ( أخرجه الخمسة من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر عن حفصة _ رضي الله عنهم _ مرفوعاً واختلف في وقفه ورفعه ورجح البخاري وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والنسائي وقفه، ورجح ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي والخطابي رفعه ، وقال البخاري : فيه اضطراب ، وقال أحمد : ماله عندي ذاك الإسناد )
ويجمع أي يعزم وبهذا بوب الترمذي في سننه .
وقال الشاعر :
أجمعوا أمرهم بليلٍ فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
الثاني : تجميع المتفرق ومنه قوله تعالى : يوم يجمعكم ليوم الجمع
الثالث : الاتفاق ذكره أبو علي الفارسي والراغب في المفردات والزبيدي وغيرهم ، ومنه قولهم : أجمع القوم على كذا إذا اتفقوا عليه ، ويقال : هذا أمر مجمع عليه أي متفق عليه .
وفي الحقيقة المعاني كلها تعود إلى معنى الاتفاق فالعزم على الشيء هو اتفاق الخواطر والنوايا على أمرٍ واحدٍ هو ما عزم عليه الشخص وتجميع المتفرق يؤول إلى الاتفاق .
وقد اختلف في دلالة الإجماع على العزم والاتفاق هل هو من باب الاشتراك اللفظي ؟ أو أنه حقيقة في الاتفاق مجاز في العزم ؟ أو حقيقة في العزم مجاز في الاتفاق ؟ ثلاثة أقوال .
الإجماع اصطلاحاً :
اختلفت عبارات الأصوليين في تعريف الإجماع والسبب في هذا يعود إلى أمور :
الأول : الخلاف في تحديد المجمعين فالبعض يرى أنه خاص بأهل الحل والعقد من المجتهدين والبعض الآخر يجعله عاماً فيدخل فيه جميع الأمة من العوام وغيرهم فمن يخصه بالمجتهدين يعبر بقوله : ( اتفاق المجتهدين ) ومن يدخل العوام يعبر بقوله : ( اتفاق الأمة ) .
الثاني : الخلاف في زمن الإجماع فبعضهم يخصه بعصر الصحابة كابن حزم ومن وافقه وبعضهم يجعله عاماً في جميع العصور ، فمن يخصه بعصر الصحابة يعبر بقوله : ( اتفاق أصحاب رسول الله ) أو اتفاق ( الصدر الأول ) ومن يجعله عاماً يقول : ( اتفاق المجتهدين في جميع العصور )
الثالث : الخلاف في الأمور المجمع عليها فبعضهم يحصرها في الأمور الشرعية وبعضهم يعممها ، فمن يحصرها بالأمور الشرعية يقول : ( اتفاق على أمرٍ أو حكمٍ شرعي أو ديني ) ومن يعممها يقول : ( اتفاق على أمرٍ من الأمور ) .
الرابع : الخلاف في بعض شروط الإجماع مثل اشتراط انقراض العصر واشتراط بلوغ المجمعين عدد التواتر ونحوها فمن يشترط ذلك يجعله قيداً في التعريف ومن لا يشترطه لا يذكره في التعريف .
التعريف المختار :
لعل من أسلم التعريفات للإجماع والذي يتناسب مع ما نرجحه في مسائل الإجماع هو أنه :
( اتفاق المجتهدين من أمة محمدٍ بعد وفاته في عصرٍ من العصور على أمرٍ ديني )
محترزات التعريف :
قولنا ( اتفاق ) قيد يخرج الاختلاف ، واتفاق جنس يشمل كل اتفاق سواء كان من الكل أو من البعض وسواء كان من المجتهدين وحدهم أو من جميع الأمة ، ويؤخذ من قولنا اتفاق أنه أقل ما يمكن أن يحصل به الاتفاق اثنان .
قولنا ( المجتهدين ) قيد يخرج من ليس مجتهداً كالعوام والعلماء الذين لم يبلغوا مرتبة الاجتهاد ، و ( أل ) في المجتهدين للاستغراق أي اتفاق جميع المجتهدين فلا يكفي اتفاق الأكثر أو البعض كما سيأتي .
فيخرج بهذا : قول الأكثر ، وإجماع أهل المدينة ، وإجماع الخلفاء الأربعة ، وإجماع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وإجماع أهل الحرمين : مكة والمدينة ، وإجماع أهل المصرين : الكوفة والبصرة فكلها لا تسمى إجماعاً كما سيأتي بيانه .
والاجتهاد هو ( بذل الفقيه وسعه للوصول إلى حكمٍ شرعي ظني )
قولنا ( من أمة محمدٍ ) قيد يخرج ما سوى الأمة المحمدية كاليهود والنصارى ، والمراد بالأمة هنا أمة الإجابة وهم المسلمون أتباع النبي ، وعليه فيخرج من كُفِّر ببدعته فلا عبرة بقوله .
قولنا ( بعد وفاته ) قيد يخرج ما كان في حياته ؛ إذ لاحاجة إلى الإجماع حينئذٍ لنزول الوحي .
قولنا ( في عصرٍ من العصور ) بيان أن المراد مجتهدو العصر الواحد وليس جميع المجتهدين في جميع العصور إلى قيام الساعة ؛ لأنه يلزم منه عدم حصول الإجماع إلا بعد قيام الساعة ولا تكليف عندئذٍ فلا حاجة إلى الإجماع .
ويؤخذ من قولنا ( عصر ) أنه في أي عصرٍ كان فلا يختص ذلك بعصر الصحابة كما سيأتي بيانه .
قولنا ( على أمرٍ ديني ) قيد يخرج ما سوى الأمور الدينية كالأمور الدنيوية والعقلية واللغوية ونحوها فهي غير داخلة في الإجماع الشرعي المعصوم والمراد هنا ، ويدخل في الأمر الديني العقائد والأحكام .
ثانياً : إمكان حصول الإجماع وانعقاده :
ذهب الأكثرون إلى القول بجواز حصول الإجماع وإمكان انعقاده ، وذهب بعضهم _ وهم الأقل _ إلى عدم جواز ذلك ، وسوف نكتفي بذكر أدلة القول الأول وذلك لضعف وشذوذ القول الثاني ( الكلام في هذه المسألة عن الجواز العقلي لا الوقوع الشرعي ) .
أدلة القول بجواز حصول الإجماع وإمكان انعقاده :
الدليل الأول : وجوده وحصوله فقد وجدنا الأمة مجمعة على أن الصلوات خمس وأن صوم رمضان واجب ، وكيف يمتنع تصوره والأمة كلهم متعبدون باتباع النصوص والأدلة القاطعة ومعرضون للعقاب بمخالفتها .
فإن قيل هذه الأمور حصلت بالتواتر وليس بالإجماع ؟
أجيب بأن هذه الأمور حصلت بالأمرين معاً : التواتر والإجماع مقارنة أو مرتباً بمعنى أنه حصل الإجماع والتواتر معاً ، أو حصل التواتر ثم الإجماع ، أو حصل الإجماع ثم التواتر فالمقصود هو أنه حصل فيها الإجماع وهو المطلوب .
فإن قيل هذه علمت من الدين بالضرورة ومحل الخلاف هو فيما لم يعلم بالضرورة ؟
أجيب : بأنه حصل الإجماع كذلك فيما لم يعلم بالضرورة كالإجماع على أجرة الحمام وأجرة الحلاق ، وخلافة أبي بكر رضي الله عنه ، وتحريم شحم الخنزير ، وتحريم بيع الطعام قبل القبض ، وتوريث الجدة السدس ، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها وغير ذلك .
الدليل الثاني : القياس على حصول الإجماع في الأمور الدنيوية فكما لا يمتنع اجتماعهم على الأكل والشرب لتوافق الدواعي فكذلك على اتباع الحق واتقاء النار .
الدليل الثالث : القياس على حصول الاتفاق من الأمم الباطلة فكما حصل إطباق اليهود مع كثرتهم على الباطل فلم لا يتصور إطباق المسلمين على الحق ؟! .
الدليل الرابع : أن الأصل هو الجواز والإمكان ، ويلزم من يدعي خلاف ذلك أن يأتي بالدليل .
ثالثاً : إمكان الاطلاع على الإجماع و العلم به :
اختلف في هذا على أقوال :
الأول : أنه يمكن العلم بالإجماع والاطلاع عليه في جميع العصور وهو قول الجمهور .
الثاني : أنه يمكن العلم بالإجماع والاطلاع عليه في العصور الثلاثة فقط وهو قول صاحب فواتح الرحموت .
الثالث : أنه يمكن العلم بالإجماع والاطلاع عليه في عصر الصحابة فقط ، وأما بعدهم فيتعذر ذلك ، وهو رواية عن أحمد وظاهر صنيع ابن حبان في صحيحه ومال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية وهو قول الفخر الرازي والآمدي وهو قول ابن حزم إلا أن هؤلاء يخالفون ابن حزم في الحجية فابن حزم يقصر الحجية على الصحابة فقط والبقية يرونه حجة في كل وقت وإنما يرون تعذر الاطلاع عليه بعد الصحابة .
الرابع : أنه لا يمكن العلم بالإجماع ولا الاطلاع عليه مطلقاً ، وهو قول من رأى عدم إمكانية حصول الإجماع من باب أولى ، ومن رأى عدم حجيته أيضاً كالنظام المعتزلي وبعض الشيعة والخوارج .
لعل أقرب هذه الأقوال هو القول الثالث وذلك لكثرة المجتهدين وتفرقهم في البلاد مما يتعذر معه جمع أقوالهم في وقت واحد بخلاف عصر الصحابة فالمجتهدون منهم معلومون بأسمائهم وأعيانهم وأماكنهم واجتماعهم لا سيما بعد وفاة النبي زمناً قليلاً ( الكلام هنا عن إمكان الاطلاع على الإجماع لا عن حجيته ) .
رابعاً : حجية الإجماع :
أكثر المذاهب الإسلامية ترى حجية الإجماع الشرعي ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج والإمامية من الشيعة وطائفة من المرجئة والنظام المعتزلي كما سيأتي إن شاء الله .
وقد قرر حجية الإجماع الأصوليون من أتباع المذاهب الأربعة وهذه نماذج من أقوالهم :
المذهب الحنفي :
قال أبو بكر الرازي ( الجصاص ) : ( اتفق الفقهاء على صحة إجماع الصدر الأول وأنه حجة الله لا يسع من يجيء بعدهم خلافه ، وهو مذهب جلِّ المتكلمين )
وقال السرخسي : ( اعلم أن إجماع هذه الأمة موجب للعلم قطعاً كرامةً لهم على الدين )
وقال : ( اجتماع هذه الأمة حجةٌ شرعاً كرامةً لهم على الدين )
المذهب المالكي :
- قال القرافي : ( وهو حجة عند الكافة )
- وقال ابن جزي الغرناطي في تقريب الوصول : ( والإجماع حجة عند الجمهور )
المذهب الشافعي :
- قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني في البرهان : ( ما ذهب إليه الفرق المعتبرون من أهل المذاهب أن الإجماع في السمعيات حجة )
- وقال الشيرازي : ( وهو حجةٌ من حجج الشرع ودليلٌ من أدلة الأحكام مقطوعٌ على مغيبه )
- وقال الفخر الرازي في المحصول : ( إجماع أمه محمد حجة خلافاً للنظام والشيعة والخوارج )
- وقال الآمدي في الإحكام : ( اتفق أكثر المسلمين على أن الإجماع حجة شرعية يجب العمل به على كل مسلم وخالف في ذلك الشيعة والخوارج والنظام )
المذهب الحنبلي :
- قال القاضي أبو يعلى : ( الإجماع حجةٌ مقطوعٌ عليها ، يجب المصير إليها ، وتحرم مخالفته )
- وقال ابن قدامة في روضة الناظر : ( والإجماع حجة قاطعة عند الجمهور )
إذا علم هذا فإن أكثر أهل العلم ذهبوا إلى حجية الإجماع خلافاً للنظام من المعتزلة والخوارج والإمامية من الشيعة وطائفة من المرجئة .
وقد استدل الأكثر لحجية الإجماع بالكتاب والسنة :
أ / أدلة الكتاب :
1 – قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً دلت هذه الآية على حجية الإجماع من وجهين :
الوجه الأول : من قوله : وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً حيث وصفهم بأنهم ، وسط والوسط في اللغة العدول الخيار وفي هذا تزكية لهم ، والعدول الخيار لا يتفقون على باطل .
الوجه الثاني : من قوله : لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً حيث نصبهم الله شهوداً وقبل شهادتهم على غيرهم وجعلهم حجة على الناس في قبول أقوالهم كما جعل الرسول حجة علينا في قبول قوله علينا .
2 – قوله تعالى : واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا
ووجه الاستدلال : أنه تعالى نهى عن التفرق ، ومخالفة الإجماع تفرق فكان منهياً عنه ، ولا معنى لكون الإجماع حجةً سوى النهي عن مخالفته .
3 – قوله تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر
وجه الاستدلال : أنه تعالى أخبر أن هذه الأمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر و ( أل ) في المعروف والمنكر تقتضي الاستغراق أي أنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر فإذا أمروا بشيء فلا بد أن يكون معروفاً وإذا نهوا عن شيء فلا بد أن يكون منكراً ، وإذا كانوا بهذا الوصف فإنه يجب قبول قولهم وهذا هو معنى حجية الإجماع .
4 – قوله تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولَّى ونصله جهنَّم وساءت مصيراً
وجه الاستدلال : أنه تعالى توعد على متابعة غير سبيل المؤمنين وهو إجماعهم بالوعيد الشديد وقرن ذلك بمشاقة الرسول ، ولو لم يكن ذلك محرماً لما توعد عليه ولما حسن الجمع بينه وبين المحرم من مشاقة الرسول في التوعد .
وهذه الآية استدل بها الإمام الشافعي _ رحمه الله _ في إثبات حجية الإجماع وهو أول من استدلَّ بها .
5 – قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول
وجه الاستدلال : أنه تعالى أمر بالرد إلى الكتاب والسنة في حال التنازع فيفهم منه أنه إذا لم يوجد التنازع فالاتفاق على الحكم كافٍ ، فالآية دلت على حجية الإجماع بالمفهوم .
6 – قوله تعالى : وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله
وجه الاستدلال : أنه تعالى أمر بالرجوع إلى حكمه عند الاختلاف فيفهم منه أنه إذا لم يوجد خلاف فالاتفاق على الحكم كافٍ ، فالآية دلت على حجية الإجماع بالمفهوم أيضاً كالآية السابقة .
ب / أدلة السنة :
تعتبر أدلة السنة أقوى مسلكاً وأكثر صراحةً لإثبات حجية الإجماع عند كثيرٍ من الأصوليين وقد تنوعت أدلة السنة في تقرير حجية الإجماع ويمكن تقسيمها ثلاثة أقسام :
القسم الأول : الأحاديث التي جاءت تنفي وقوع الأمة في الخطأ وتثبت العصمة لها ومن ذلك قوله : " لا تجتمع أمتي على ضلالة " ( رواه أحمد والطبراني في الكبير وابن أبي خيثمة في تاريخه عن أبي نضرة الغفاري بلفظ : " سألت ربي أن لا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها " وفيه راوٍ لم يسمَّ ، ورواه أبو داود والطبراني في الكبير وابن أبي عاصم في السنة عن أبي مالك الأشعري بلفظ : " إن الله أجاركم من ثلاث خلال أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعاً ، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق وأن لا تجتمعوا على ضلالة " ، ورواه أبو عمرو الداني في الفتن من حديث أبي هريرة وفيه يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب وهو متروك ، ورواه أبو نعيم والحاكم في المستدرك عن ابن عمر رفعه بلفظ : " إن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة أبدا،ً وإن يد الله مع الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم فإن من شذَّ شذَّ في النار " . وكذا هو عند الترمذي لكن بلفظ " أمتي " وفي إسناده اضطراب أشار إليه الحاكم في المستدرك ، ورواه ابن ماجه وابن عدي في الكامل عن أنس رفعه بلفظ : " إن أمتي لا تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم " وهو ضعيف جداً في إسناده أبو خلف الأعمى واسمه حازم بن عطاء متروك واتهمه ابن معين بالكذب ، وفيه معان بن رفاعة ضعيف أيضاً ورواه الحاكم عن ابن عباس رفعه بلفظ : " لا يجمع الله هذه الأمة على ضلالة ويد الله مع الجماعة " ورواه الدارمي عن عمرو بن قيس مرفوعاً بلفظ :" إن الله أدرك بي الأجل المرحوم واختصر لي اختصاراً فنحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة، وأني قائل قولاً غير فخر إبراهيم خليل الله ، وموسى صفي الله ، وأنا حبيب الله ، ومعي لواء الحمد يوم القيامة وان الله عز وجل وعدني في أمتي وأجارهم من ثلاث لا يعمهم بسنة ولا يستأصلهم عدو ولا يجمعهم على ضلالة " وهو منقطع وفي إسناده عبد الله بن صالح ضعيف ، فالحديث لا يخلو طريق من طرقه من مقال كما قال غير واحد من المحدثين )
وجه الاستدلال : أن عمومه ينفي وجود الضلالة ، والخطأ ضلالة فلا يجوز الإجماع عليه فيكون ما أجمعوا عليه حقاً
القسم الثاني : الأحاديث التي جاءت تأمر بلزوم الجماعة ومن ذلك :
1 – حديث ابن عباس _ رضي الله عنهما _ أن النبي قال : " من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية " متفق عليه .
2 - عن أبي ذر قال : قال رسول الله : " من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه " أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم ، وروي نحوه من حديث الحارث الأشعري عند الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم ، ومن حديث ابن عباس _ رضي الله عنهما _ عند البزار والطبراني في الأوسط وفي سنده خليد بن دعلج وفيه مقال .
3 – حديث ابن مسعود عن النبي قال : " نضَّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغلّ عليهن قلب مسلم : إخلاص العلم لله ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم فإن الدعوة تحيط من ورائهم " أخرجه الترمذي ورواه ابن ماجه من حديث زيد بن ثابت ورواه أحمد من حديث أنس بن مالك وأخرجه أحمد والدارمي وابن حبان والحاكم من حديث جبير بن مطعم وفي إسناده ضعف ، وأخرجه الدارمي من حديث أبي الدرداء وفي إسناده ضعف ( وقد جمع أبو عمرو المديني الأصبهاني رسالة في حديث " نضَّر الله " فذكره عن ابن مسعود وزيد بن ثابت وجبير بن مطعم وأبي الدرداء وأبي سعيد الخدري ومعاذ بن جبل وبشير بن سعد والنعمان بن بشير وشيبة بن عثمان رضي الله عنهم )
وجه الاستدلال من هذه الأحاديث وما في معناها :
أن النبي ينهى في هذه الأحاديث عن مفارقة الجماعة ، ويأمر بلزوم جماعة المسلمين والمراد ما يقول به جماعتهم ، وما تتفق عليه كلمتهم ، وليس المراد به لزوم أبدانهم فالمسلمون متفرقون في مشارق الأرض ومغاربها .
القسم الثالث : الأحاديث التي جاءت تبين أن الحق ملازم للجما
الثلاثاء 4 أكتوبر 2016 - 17:46 من طرف مصطفى مرسى
» منهجية مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في ظل المعيار الجديد
الخميس 5 مارس 2015 - 2:58 من طرف دينا بسيوني
» النظام الالكترونى للمراقبة والتحكم والسيطرة بالكاميرات
الخميس 5 مارس 2015 - 2:57 من طرف دينا بسيوني
» تأمين الاحتفالات والمؤتمرات والإجتماعات
الخميس 5 مارس 2015 - 2:56 من طرف دينا بسيوني
» توقيع وتحديد المشاريع الهندسية بأستخدام المساحة
الخميس 5 مارس 2015 - 2:56 من طرف دينا بسيوني
» الابتكار والإبداع في إدارة المخازن ، المواد و المخزون الراكد
الإثنين 22 ديسمبر 2014 - 1:55 من طرف دينا بسيوني
» الأمن الصناعي (مهارات السلامة في مواقع العمل)
الإثنين 22 ديسمبر 2014 - 1:55 من طرف دينا بسيوني
» تخطيط عمليات التخزين والرقابة على المخزون
الإثنين 22 ديسمبر 2014 - 1:54 من طرف دينا بسيوني
» فرصة متميزة لإنشاء مكاتب المقاولات والتشطيبات والمكاتب العقارية
الخميس 19 سبتمبر 2013 - 10:27 من طرف Hussein Juma
» دورة التقييم العقاري(المستوى الاول)
الخميس 19 سبتمبر 2013 - 10:26 من طرف Hussein Juma